د.احمد عدنان الميالي..
تتوالى وتستمر ممارسات جلد العملية السياسية العراقية بسياط الصراعات والجمودالسياسي بعد اعلان نتائج الانتخابات المبكرة ، وقد يعزى ذلك الى طبيعة النظامالسياسي الذي بُني سلوكيا وفق مبدأ المحاصصة ، السياسية او الى قانون الانتخاباتاو الطعن بنزاهتها، لكن الحقائق والوقائع تشير الى ان الخلل والعلة ليست في النظامالسياسي او النظام الانتخابي او التلاعب بالنتائج، فحسب انما له مسببات عدة ناتجةعن الممارسات الخاطئة والمتراكمة للقادة السياسيين واحزابهم من مختلف المكونات : شيعة وسنة واكراد، ممن اسهموا في اضعاف النظام السياسي واجهاض كل محاولاتانقاذه حينما تتاح فرص ، وتبرز قيادات ، ومبادرات وطنية تريد مواجهة هذه الاختلالاتولهذا عرف ناخبوا هذه القيادات واحزابها العلة والسبب فاحجم عنهم الجمهور..
هذه الممارسات التي يتمسك بها القادة التقليديون الذين يعملون تحت غطاء واسوارالمكونات المحصنة بذاكرة ملئية بالعداء والخوف من الاخر ، يجعل اي نجاح سياسي اوانتخابي او انجازي يعمل على تخليص النظام السياسي العراقي من مخرجاته السلبيةمسألة صعبة التطبيق، حتى في اللحظات التي يكون فيها الجميع تحت التهديدالوجودي ، يتم التموضع باستغلال هذا التهديد لتعزيز المكاسب واضعاف الخصوموالمزايدة على حساب الوطن والمواطن، وهذا ماحصل بتهديد داعش الواضح والصريح ،ومحاولات توجيه مسار الاحتجاجات الشعبية وركوبها، او استخدام الجمهور الخاصكاداة للتغطية عن الاخفاق في الانتخابات والتراجع في عدد المقاعد النيابية.
إذا كان ثَمّ هنالك أمل، فإنه ينعقد ويقع على عاتق قيادات سياسية أكثر تفاعلا معجماهيرها وحظيت بالمقبولية الشعبية وهذا بدأ بالظهور على الساحة السياسية مؤخراوترسخ بعد اعلان نتائج الانتخابات المبكرة، مثل هذه القيادات تمثل جيلاً مهما منالقادة السياسيين يُراهَن على اداء مثل هؤلاء القادة إنهاء الصراعات والخلافات المحتدمةبسبب سياسات وممارسات القادة التقليديين والذي قاد اداءهم الى تدمير هذا البلد.
التعويل على هذه القيادات بتشكيل فرص واجتراح سياسات تعمل على الاسهام في بناءالدولة وفقا لاستحقاقات هذه الحقبة، فهؤلاء القادة يمثلون مصالح جماهيرهم ما بعد٢٠٠٣ ، بنظرة متطلعة جديدة تغادر الضغائن والتقاطعات السياسية.
ووفقا لنتائج الانتخابات يعول على القادة الثلاث ( الصدر – الحلبوسي – البارزاني) بتشكيل ائتلاف او تحالف سياسي يصوب الاخطاء السابقة ويعمل على تأسيس فعلسياسي جديد تنتج عنه حكومة قوية وبرلمان فاعل، فالكتلة الصدرية هي الفائز الاول فيالانتخابات والصدر لديه جمهور واسع ومطيع لكنه يعول على تغيير في الاداء السياسيوالانجازي ، اما الحلبوسي الفائز الثاني في الانتخابات فاستطاع ان يكون زعيماًسياسيا فعليا لتمثيل العرب السنة في العراق، من خلا الشعبية الجماهيرية الواسعةالتي حققها في الانبار و نينوى وصلاح الدين وديالى وبغداد وكركوك . فقد شكلالحلبوسي خطاً مستمراً من التواصل والانجاز مع جمهوره ومناطقه و عمل على طمأنةمخاوف هؤلاء وتمثيل مصالحهم وامتلك القدرة على التواصل مع المكونات السياسيةكافة والمجتمع الدولي كذلك، اما البارزاني فرغم كل الحملات المضادة الموجهة ضده وضدالاقليم الا انها لم تنال من رمزيته السياسية القومية وعمق امتدادته المحلية والاقليميةوالدولية والشعبية ولازال الرجل الاول في اقليم كردستان على المستوى الشعبيوالانتخابي والحنكة السياسية ويعول عليه في اي تشكيل اي حكومة او اتفاق او تفاهمسياسي.
نتائج الانتخابات كانت بمثابة صفعة كبيرة للاحزاب التقيلدية المتصارعة على المواقعوالمناصب، ولهذا شكلت النتائج ازمة حادة خاصة حول تسمية رئيس الحكومة في حينان الهدف من تشكيل أيّ حكومة هو الخروج من أزمة، فأي شخصية تأتي من دون توافقومقبولية عامة ستنذر بالذهاب إلى حكومة قد تهدد السلم المجتمعي أو تحدث شرخا بينمكونات المجتمع، ولهذا لابد من الحرص على التوافق بين القوى السياسية خاصة الفائزةو التشاور مع القوى المتراجعة خاصة اذا مااعترفت بالنتائج والواقع السياسي .
ان اي خيار يخص تشكيل الحكومة واستكمالها لن يمر خلافا لإرادة الشعب والسياقاتالقانونية النافذة، ووفقا لنتائج الانتخابات وطبيعة التحالفات السياسية.
كل مطالبات التشكيك والطعن بالانتخابات تندرج تحت فقدان المكاسب السياسية والاستمرار بهذا النهج لن يحقق او يغير شيئا سوى استمرار الصراعات والجمودالسياسية والتراجع الشعبي.
الأمل الان منعقد في القيادات السياسية الثلاث لتبني منهجا معتدلا اكثر من السابق،وهذا سيكون أكثر أهمية في الأيام القادمة لانجاز المطالب الشعبية واستحاقات المرحلةالقادمة.
وفي المقام الاخير نقول أن العوامل التي ستمزق العراق الى اشلاء هي الانفعالاتوالعواطف والطائفية والخوف والتردد من بروز قيادات عقلانية ومشاريع وطنية جديدة..قادرة على تمثيل المصالح بشكل عادل، والبقاء صفاً موحدا ضد الطموحات والتدخلاتالخارجية. فلا بد ان يتم دعم واسناد القيادات القادرة على البقاء هادئة ومعترفةبالاختلافات بين مكونات البلد، وتعرف معطياته ومتطلباته، وبهذا سوف يكون هناكسبب للتفاؤل ، وعدا ذلك لن يبقي العراق متماسكا..
تزداد هشاشة الديمقراطية وحضور المخاطر السياسية والمشاعر غير الناضجة في العراقفي ظل مواجهة القيادات السياسية الوطنية المعتدلة والطعن في الانتخابات وعدماحترامها واحترام مخرجاتها فلو لو سارت الامور وفق السياقات الدستورية والقانونيةوالاعتراف بالواقع والاقتراب من الشارع والاستجابة لمطالبه واهتماماته، فإنها ستشكلالامل الاكبر لمستقبل العراق