بات من المؤكد أن تتضمن زيارة الحبر الأعظم
فرنسيس بابا الفاتكان الى العراق في آذار المقبل
لقاءً تاريخياً غير مسبوق مع المرجع الأعلى آية الله
العظمى السيد علي السيستاني، اللقاء الذي ينُظر
له المتابعون في العراق على أنه نقطة تحول
رئيسة في تاريخ مركز قيادة الشيعة في النجف
من العرب وغير العرب على حدٍ سواء، فالمشهد
سيكون في غاية الوضوح عندما تتجه انظار
العالم الى لقاء تتمثل فيه رمز العالم المسيحي
المسؤول عن أكثر من مليار ونصف المليار ، مع
رمز آخر تمثل فيه النجف بكل ما تحويه من قوة
روحية، ومعنوية، وقدرات تأثير بمختلف ارجاء
العالم الاسامي والعراق والمنطقة بشكلٍ عام،
وللنجف بشكلٍ خاص باعتبارها الحاضرة العلمية
لما يزيد عن الالف عام.
اللقاء سيفرض، وبقوة، العمق الحضاري والفكر
التنويري لمدرسة النجف بكل ما تحمله من
مفاهيم الحياة، والتعايش، والقيادة، وستحمل
معها إرثاً ثقافياً ودينيا ليس أقل من كل
الحواضر المدنية الرائدة الآن في العالم، وسيكون
حاضراً أيضاً الامتداد الديني المهيمن على ضمائر
ووجدان غالبية اتباع أهل البيت في العراق،
حينها يتعزز الشعور بالانتماء لربوع هذه المدينة
بباطنها الكوفي وظاهرها النجفي، وما تحمل
معالمها من بقايا وآثار تسجل أحداثاً غيرت وجه
تاريخ العراق المعاصر منذ تأسيس الدولة العراقية
والى الآن.
أطلق رئيس اساقفة الفاتيكان كلمات الذي وصل
النجف على رأس وفد كامل لبحث الاستعدادات
لزيارة البابا فرنسيس اذ قال: «بابا الفاتيكان
متشوق لزيارة العراق، والنجف تحديداً، ولقاء
السيد السيستاني .»
إن هذا التعبير مهم جداً وينطوي على معرفة
بتحديد الأهمية في الزيارة، وحجم اللقاء في
هذه المدينة، المعرفة بالقيمة الاعتبارية العالية
بنفوس المسلمين، ربما اعتراف ايضاً بزعامة
العالم الشيعي، فالبابوية والحبر الاعظم لا تطلق
التعبيرات المجانية دون اسناد عملي مدروس،
ولعل كلام رئيس الاساقفة في النجف اليوم وهو
الممهد للزيارة التاريخية حين زار مرقد الامام
علي ابن ابي طالب)ع( اذ قال «هذا المكان معني
بتاريخ الانسانية قبل الاديان، وهذا ما موجود
في ذاكرتي عنه » فذاكرة العالم وقياداته الروحية
مليئة بأسفار ورموز النجف وعنوانها العام، وما
يمثله خليفة المسلمين وأمير المؤمنين من نهج
انساني أخذ مساحة واسعة الضمير الانساني،
وسجله المؤرخون باحترام ووفاء.
الذاكرة الانسانية أبضاً سجلت مواقف عديدة
لرجال الدين وزعماء الحوزات العلمية، تتعلق
بتفعيل الحوار مع الاديان وإيجاد مساحات
مشتركة مع الاخر انطلاقاً من اعتقاد راسخ
بمبادئ التعايش وحل الازمات والوقوف مع
المظلوم ودعم الشعوب التي تتطلع للاستقرار
بغض النظر عن الدين والطائفة والعرق، ويمكننا
ان نسجل عشرات من تلك المواقف كزيارة الشيخ
آية الله العظمى محمد حسين كاشف الغطاء في
خمسينيات القرن الماضي للقدس وإمامته للصلاة
في مسجدها الاقصى، أو دعم الامام الحكيم زعيم
الطائفة في منتصف القرن العشرين لحركات
التحرير الجزائرية، وغيرها من المواقف التي تعبر
عن ثوابت والتزامات دينية وإنسانية تجاه مجمل
شعوب العالم.
هذه فرصة أكيدة لكل أبناء العراق عامة والنجف
خاصة في إظهار النجف وحواضرها التاريخية
كنموذج راع لكل فكر ونهج يساهم في صناعة
الحياة بكل معانيها الجميلة وسماتها السمحة،
هذه المناسبة ستكون نقطة تحول في علاقة
النجف بكل ما تحمله من ثقل معرفي مع
العالم مع مختلف الديانات لا سيما الديانة
المسيحية، وستبعث عدة رسائل تعبر عن رؤية
النجف للإنسانية وما تتمناه لها من سام وأمن
واستقرار ، وإبعاد لكل ما يمكن أن يسوء العالم
من إقتتال، وغاية ما نرقبه فعاً في أن تنجح
النجف في إيصال تلك الرسائل عبر هذه الزيارة
ولقائها التاريخي بين قطبين لكل منهما سلطة
زوحية عالية الاعتبار.
بابا الفاتيكان وزعيم الحوزة العلمية في النجف
(Visited 7 times, 1 visits today)