“مقالة مثيرة للجدل”   د. عادل جعفر

“مقالة مثيرة للجدل” د. عادل جعفر

حتى انها قد تثير الجدل بين الأطباء النفسانيين أنفُسهم خاصة أن الكثير من التفاصيل تُركت للنقاش!؟.

بقلم د.عادل جعفر

جلس المراجع صامتا لمدة حوالي دقيقتين ثم بدأ يهمهم بكلمات غير مفهومة و جمل غير مترابطة ، كان واضحاً انه يبذل جهدا مضاعفًا لأيصال الفكرة، لكن خانته شجاعته و صده إِسْتِحْيائه!!.
لهذا شجعته على الكلام من خلال التكلم في مواضيع محايدة..

قلت له : لا بأس أن تعرفني بك في البداية؟.
أخبرني عن هويتك الشخصية
اسمك، مهنتك، شهادتك، حالتك الزوجية، سكنك؟.

و لا بأس ان نبدء بالتكلم عن الاجواء المريحة بالنسبة لك، و لا بأس ان اعرف طموحك و انجازاتك في الحياة؟.

عليك أن تعلم أنك هنا ليس في محل نقد او حكم ، و لا يتم الانتقاص منك بأي حال من الاحوال في هذه العيادة النفسية.
لذلك كن جريئا و تكلم من أي زمان تختاره أو من أي حادثة تنتقيها..

بعد ما تنفس الصعداء و بعد ما أجاب عن اسئلتي…
بدأ بالقول:
انه منذ الصغر احس أنه لا ميل لديه الى البنات بل ميله كان موجه نحو الذكور
قال لي : الآن هو يحب شخص اصغر منه بسنتين!!.
و عنده علاقة جنسية سريه معه…
اهله اصروا على تزوجيه سابقاً…
انهم لا يعلمون انه مثلي الجنس!!.
قد وافق على الزواج..
لديه أبن و بنت..
انه لا يستمتع بالجنس مع زوجته…
انه يمثل الاستمتاع عليها…
سأل :
لماذا انا كذلك؟.
و هل هناك علاج لحالتي؟.
كيف سأقضي حياتي هكذا؟.
أي معاناة هذه.. احس انه لدي سر كبير أخفيه عن الناس!!.
ماذا اذا عرفوا حقيقتي؟.
و انا احس بأني شيطان
انا شيطان ملتزم دينياً!!.
اشعر أني آثم!.
و أني نجس!!.
ماذا سيفعل ربي بي يوم الحساب؟.
هل هناك علاج لحالتي؟
اعلم انه لا علاج لحالتي!؟.
فقد قرأت عن الموضوع كثيراً…
احببت ان اطرح معاناتي على طبيب نفساني..
احببت ان اشارك سري مع احدهم..
احببت ان افرغ صدري من الهموم..
احبب أن أكُشف عن عجزي و معاناتي!!.
انا اعلم ان لا دواء ينفعني!!.

هنا كطبيب نفساني مسلم وجدت نفسي في مأزق!!.
فأنا من ناحية يجب ان اقول له انه شاذ جنسيا و ما يفعله عيب و حرام !؟.
و من ناحية هناك لغة علم يجب أن أتقيد بها!!.

أو ضحت له :
إن ما تشتكي منه لا يعتبر مرض نفسي و ليس هناك دواء شافي له !!.
أحب أن اخبرك إن الغرب هو المسؤول عن تطوير الطب النفسي و هو من يخبرنا بأن الحالة الفلانية مرض نفسي والحالة الفلانية ليست كذلك !!.
لديهم عشرات بل مئات البحوث العلمية حول حالتك والتي لم تُظهر أي أدلة قوية تقترح أن حالتك تعتبر اضطراب نفسي.
الى ان قرروا في عام 1978 ان المثلية الجنسية يجب إزالتها من قائمة الأمراض النفسية في الغرب ) وتم حذفها ايضا من قائمة الأمراض النفسية في (منظمة الصحة العالمية ) بعد ذلك وهذا جاء بعد ان اكدت اکتشافات البيولوجيا والطب الحديث اهمية العامل الوراثي ( الجيني ) لهذه الحالات, حيث اصبح السبب الرئيسي لهذه الحالات هوسبب عضوي بحت .

انت لست وحدك فهناك حوالي 10% من كل البشر حالتهم مثل حالتك ( وهذه طبعا نسبة لايستهان بها )، ولكن القليل منكم يعترفون بميولهم الجنسية خوفاً على حياتهم أو منعاً لتعرضهم للأذى ،خصوصا في مجتمع أسلامي مثل مجتمعنا.

قلت له انه يوجد الكثيرين من المثليين جنسيا حول العالم رجال و نساء فى الغرب و الشرق الاقصى والذين يحتفلون سنويا بكرنفال فخر المثليين , وعددهم اكثر بملايين المرات من قوم لوط!!.
اما فيما يتعلق بالنصوص القرآنية و ما قيل عن آل لوط و الذي يعتبر لنا كمسلمين مرجع لأدانة المثليّة الجنسيّة وتحريمها شرعا!!.
اقول لك أن هذه القصة لا نعلم متى حدثت بالضبط.
وعلميا انه من غير الممكن إصابة رجال قرية كاملة بالمثليّة الجنسيّة..حيث أن نسبة حدوث المثليّة الجنسيّة في أي مجتمع قليلة ..وهذا مانراه في عصرنا الحالي بالبرهان والدليل.

شخصيا اقول لك إن الأحكام والقوانين تأتي نتيجة التجربة والحاجة….
و هنا انا اجتهد …. و اقول لك انه عندما نكتب قانونا فأننا لا نستند على كتب قصص بل لإننا بحاجة ماسة لتسيير أمور المجتمع الذي نحن جزء منه…..
اضيف لأقول لك:
إنه لا إمام سوى العقل…
على العموم ما اعرفه أن الاسلام رحمة للمجتمعات حتى لذلك الجزء من المجتمع الذي يعاني …
أضفت :
في حالتك نتعامل مع البعد الاجتماعي و النفسي لما خلقك الله عليه..
و يبدو لي من الاسئلة العديدة التي وجهتها لك انك مستقر نسبياً الآن
اما فيما يتعلق بتفكيرك بمدى تأثير حالتك على صحتك النفسية و الذي فهمت ان هذا ما يقلقك اكثر لانه هناك صراع دائر بين ميولك الجنسية و بين التزاماتك الدينية و التي تحاول ان تعطيها حقها ،لكنك اوضحت بما معناها؛ ما فائدة كل ذلك و سيحاسبني ربي.

اود أن أقول لك … أن هناك الكثير مثلك و معظمهم خائفون من فقدان عائلاتهم، أو أن يتبرأ منهم آباؤهم. لذلك يلجأ بعضهم إلى إدمان الكحول أو المخدرات أو اتباع ممارسات جنسية طائشة، وأحياناً يتخلى بعضهم عن دينهم ويقومون بالانتحار.
سؤالي لك …هل هذا ما يريده الله؟ و قد جاء القرآن شفاءً ورحمة للعالمين.
خذ مهلك للإجابة عن هذا السؤال و فكر فيه بتعمق قبل ان تجيب… قد تحتاج ايام ،أشهر او سنين للإجابة عن السؤال… أبذل جهدك لمعرفة ذاتك و معرفة الذات الإلهية و ماذا يريد الله منك كإنسان؟

عموما ما اعرفه أن الاسلام رحمة للمجتمعات حتى لذلك الجزء من المجتمع الذي يعاني …

احب ان اوضح لك أن الكثير من الدراسات العلمية الموثوقة أكدت أن المثليين لديهم معدلات أعلى من الأمراض النفسية مقارنة بالمغايرين، هذه الأمراض النفسية تشمل: الاكتئاب الشديد، التفكير بالانتحار والتخطيط له و كذلك محاولات الانتحار الحقيقية ، و كذلك اضطراب القلق العام، و اضطرابات السلوك والمزاج، و اخيرا إدمان المخدرات والتبغ والكحوليات.
و مرجع كل هذه الاضطرابات بمعظمها يكون بسبب التحيز الذي سيمارس ضدك اذا تم كشف امرك و كذلك من عدم تقبل عائلتك و المقربين لك .
و لا اخفيك سراً انك ستكون معرّض اكثر للأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي خاصة اذا كان لديك اكثر من شريك او شريك لديه شركاء اخرين.

و قلت له : كل شيء يعتمد على درجة تكيفك النفسي والاجتماعي اي بمعنى أدق يعتمد على قدرتك على مواجهة الضغوطات النفسية والعيش في حياة اجتماعية طبيعية مع الرضا والسعادة والقناعة بنفسك وحياتك و مع هذا كله عليك ان تدرك و بصمت ان المجتمع لا يتقبل اشخاص مثلك ، لهذا عليك ان تتعامل مع هذا بأخفاء حقيقتك لانك لا تعيش في مجتمع متسامح مع حالتك و أنت بهذا المركز وخاصة أنت متزوج،
لهذا عليك أن تحقق التوازن بين حقيقة توجهك الجنسي و بين اعتبار ما يَمكْن ان توصَف به كمُنحرِف جنسيا خاصة و أنت تعيش وسط مجتمع يعشق مظاهر التديّن .

دعني اوضح لك الصورة اكثر….
إن التوجه الجنسي لأي إنسان و بشكل عام لا يعتبر قدراً محتوماً يولد به سين او صاد من الناس…
لقد كنت استمع جيدا لك عندما قلت انك غير مسؤول عن ما تشعر به و ارجعته أنا الى عوامل وراثية و يبدو لي انك بحثت في هذا الموضوع!!.
دعني اوضح لك اكثر و بحيادية ….أن ميولك الجنسية التي يعتبرها عامة الناس شاذة … ما هي إلا نتيجة تفاعل مُعقد بين جيناتك والعامل الهرموني أثناء ما كنت جنين في رحم أمك من ناحية
والظروف البيئية المختلفة التي اختبرتها انت من ناحية !!.
و من ناحية أخرى أنت لم تكن في محل اختيار جيناتك الوراثية و وضعك و انت جنين أو الظروف البيئية المحيطة به!!.
و الطريف في الموضوع ان هناك العديد من البحوث اكدت ان سلوك المثلية الجنسية هو عبارة عن مسألة سلوكية بحتة لا تخضع للجينـات بتاتاً!!.
و حتى اكون محايداً.. اقول لك ان هناك العديد من الدراسات فشلت في ايجاد اي علاقة بين الشذوذ الجنسي والجينـات بعد ما كثر الحديث عن وجود دوافع جينية تبرر المثلية الجنسية و تعتبر مسؤولة عن ذلك!!.

اما من ناحية العلاج او ان اقول لك بالرغم من أن التوجه الجنسي من الممكن أن يتغير بشكل طبيعي مع الزمن بدون أي تدخلات علاجية ، إلا أنه لا توجد الآن أي ”علاجات“ تُغير الميول الجنسية لديك ،بل أن الدراسات التي تمت لمعرفة مدى فعالية هذه ”العلاجات“ تؤكد مراراً وتكراراً أنها غير فعالة بل وتسبب مشاكل نفسية مثل القلق عام والاكتئاب ومحاولات الأنتحار.

المفروض انه نحن معشر الأطباء النفسيين يجب أن نحاول و بشكل جدي كيفية الفصل بين معتقداتنا الدينية ووجهات نظرنتا الاجتماعية من جهة و بين واجبنا في تقديم المساعدة لمن كان في وضعك من جهة آخرى!!.

قلت له : إن توجهك الجنسي قد يتغير بشكل طبيعي مع مرور السنين بدون أي تدخلات ”علاجية“.
في النهاية قلت :
أنك أنت من عليه أن يقرر أما ان هناك شخصًا بدأ يعيش حياة من اختياره بدلاً من الحياة التي اختارها له الآخرون أو يعيش تلك الحياة التي صممها له المجتمع و انا و أنت نعلم أنه من الملائم ان يكون هناك توافق بين سلوك يكتشف العلم دوافعه و بين ما هو مقبول إجتماعياً و دينياً في ذلك المجتمع و أكثر من ذلك يجب أن يكون مألوفاً.

(Visited 98 times, 1 visits today)

One Comment

  1. مقال رائع.الموضوع ايضا يجب ان يخرج من السرية لمواجهة الواقع و ان لا يبقى كرأس النعامة مطمورا بالرمال.علاج اي ظاهرة هي المواجهة العلنية و ليس خلف الكواليس كما يحث في الساسة و لهذا نعاني حتى من سياسينا.
    رائع دكتور عادل ابدعت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *