بين الرغبة والواقعية / جاسم مراد

بين الرغبة والواقعية / جاسم مراد

جاسم مراد

منذ خمس سنوات تحددت العلاقة بين سلطة الحكم من جهة ، وبين الطبقات الاجتماعية وخصوصا الشبابية منها من الجهة الاخرى ، تحددت هذه العلاقة ضمن سياقين من الاتجاهات أولهما لم تعد هناك موثوقية  بأن النظام القائم على قواعد المذهبية والعرقية والطائفية بوسعه إن يستجيب للحاجات الأساسية لمطالب الشعب في العدالة الاجتماعية والتنمية ، كونه مبني على شراهة الانانية السياسية والخشية من الانفتاح على المدنية في بناء مؤسسات الدولة وثانياً إن لجوء الأطراف كل الأطراف المشتركة بالحكم إذ كان عبر جماعات متصلة بها أو قريبة منها الى ممارسة الفساد واعتباره شطارة في التحايل على ممتلكات وموارد الدولة ، وصار هذا السلوك اشبه بعمليات التنافس بين الفاسدين للاستحواذ على اكبر قدر ممكن من عمليات الاستيلاء على المال العام والاراضي   وتعطيل مشاريع الاستثمار ، وإذا لم يستفيد الفاسد على قدر ما من الأموال أو في عمليات التداول بين الجهات المنفذة والدولة فأنه غير مرغوب به ،لذا برزت مجموعات عمرية تتناسب مع عمر النظام على مهارات التفاعل مع عمليات النهب بطرق شيطانية لم يألفها المجتمع العراقي .

هذا الوضع وغيره خلق شرخا مؤثرا في عدم الثقة ، وتباعداً في العلاقة بين فصائل المجتمع من جهة وسلطات النظام على اختلاف مسمياتها من الجهة الأخرى ، لذا عندما يؤكد رئيس الوزراء السيد السوداني خلال الأيام الأولى لتوليه السلطة ، بأن الشعب لم يعد يثق بالنظام ، وهناك فواصل متعددة تمنع ذلك ابرزها الفساد وغياب العمل التنموي وتراجع البنى التحتية .

   لقد اثبت هذا التشخيص صحة الانتفاضات الشعبية والمطالبة بتغيير هيكلية النظام من نظام محاصصي مفتوح على استغلال الدولة وولادة عناصر جديدة للنهب ، الى نظام وطني مؤسساتي تساهم في بناءه وتطويره والدفاع عنه قوى وشخصيات مؤمنة بعملية التحول نحو الارقى في البناء والتطور ، حيث ليس من المقبول  أن تستمر تجربة هذا النظام وشخصياته لأكثر من ( 20) عاما دون أن تقدم أي منجز وطني .  

فلم يعد ممكناً  السكوت على حالة التصفير للبنى التحتية في العديد من المحافظات ، والى حالة الفقر الذي ضرب العديد من البنى الاجتماعية وخاصة في محافظات الجنوب والوسطوتكريت والموصل  حيث وصل الفقر حسب تقديرات المنظمات الدولية وتقارير وزارة الاقتصاد العراقية  الى اكثر من ( 15%) من مجموع السكان ، فيما تجاوزت الامية بين مكونات المجتمع عشرة ملايين شخص وهي في تزايد سنوي ، وتراجعت الدراسة في مدارس الدولة ، فيما اتخمت العاصمة والمحافظات بالمدارس الاهلية التي تحولت الى عمليات استنزاف مالي للطالب وعائلته ، وتسريع للشهادات بعظها ليس بوجه حق ، فيما الصحة أصبحت في خبر كان ، ناهيك عن المجالات الأخرى المعيشية والعلاقات المجتمعية التي  وصلت الى حالة من التدافع بين العشائر وسقوط العديد من القتلى والجرحى .      

 هذا الوضع وعلى مدى ( 20) عاما هو الذي خلق حالة من التباعد والتناقض بين معظم الشعب والنظام القائم ، وليس من السهل تصحيح هذا الخلل وتفكيك حالة التناقض إلا اذا ادركت القوى السياسة الحاكمة أهمية التغيير والتصحيح للحالة السياسية القائمة  ،وضرورة الاستجابة للموقف الشعبي بفتح الصراع الجاد مع الفاسدين ورعاتهم ، وإلتوجه نحو الصناعة والزراعة وتشغيل الاف العاطلين المتكدسين في المقاهي  ، وانتهاج العمل الثوري في كل مؤسسات الدولة في الحرب مع المخدرات التي باتت واحدة من اخطر معاول التهديم للمجتمع والعائلة في حين كان العراق قبل الغزو يخلو منها وهناك احكام قانونية قاسية جدا لمن يتعاطاها او يتعامل بها . بهذا يكون السيد السوداني قد مد جسور العلاقة مع الشعب ، وبغيره تصبح حالة التناقض قائمة كما شخصها السيد السوداني  ، وبالتالي  فأن رغبة القوى السياسية  بالاستمرارية في تجاهل إرادة الشعب فإنها حتما ستصطدم بواقعية التناقض الحاد بين الطرفين .

العالم يعيش حالة من التناقضات بين بروز قوى جديدة  وتراجع أخرى ، وهذا بالطبع تسبب في عدم التوازن الغذائي في العالم ، مما يحتم على الدولة العراقية التوسع الزراعي عبر ادخال المكننة الزراعية ومعالجة شحة المياه باستغلال المياه الجوفية وترشيد استهلاك المياه والتوسع في استخدام مياه الرش واستصلاح الأراضي وكري الجداول والبزول بغية الوصول الى الاكتفاء الذاتي للغذاء ، وإذا ما بقيت الممارسات والسياسات ذاتها فأن حالات التناقض تتصاعد الى حدود نفي كل طرف للطرف الاخر ويضع البلاد في حالة اسقاط رغبة القوى والكيانات في البقاء على رأس السلطة أمام واقعية الرفض الشعبي . إن القوى السياسية على اختلاف عقائدها  وتوجهاتها إذا ما ظلت تخشى تحديد السلبيات وتعضيد العمل الإيجابي ، فأن الوصايا الدينية لاتفيدها ولا ممارسات الانكفاء والتشفي لبعض القوى على الأخرى يمكن أن تمنع عنها الحساب ، فالكل يقع في دائرة الضوء والقرار بالنهاية للشعب ..  

(Visited 8 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *