تحقيق : مريم ماجد
زنا المحارم ظاهرة تعاني منها الفتيات في كثير من بلدان العالم ومنها العراق ،وقد سجلت المحاكم ودوائر الطب العدلي بعضاً من هذه الجرائم .
الفتيات بدورهن يقعن بين الخوف من الفضيحة او القتل ، وهذا ما يجعل ضعاف النفوس من بعض ذويهن ان يستغلهن ….. المستقل فتحت هذا الملف الشائك لتقف على جزء من الحقيقة وقد التقت بعينات من ضحايا هذه الظاهرة .
عذراء (15 عاماً) تمكنت من كسر حاجز الخوف ومشاركة قصتها مع فتيات مجتمعها بعد سنواتٍ من السُكوت والعُزلة، رغبةً بتغيير واقع مرت به الكثيرات مثلها، وما حصل لها تقشعر لهُ الابدان كما تصف حالتها، ذلك ان التحرش والاغتصاب من قبل المحارم أمرٌ مخزي. تدعو عذراء الفتيات اللاتي تعرضنَ للتحرش الجنسي من محارمهن بفضحهم لينالوا جزاءَهُم، بدلاً عن السكوت، وتصف عذراء والدها الذي اغتصبها منذ أن كانت في سن 12، بالمقرف، مُشيرةً إلى ان “هذه الكلمة قليلة بحق الرجل الذي شاءت الأقدار أن يكون والدي دون أن تعلم والدتي بالأمر عندما كان يتحرش بي، بسبب سفرها خارج العراق لعلاج أُختي التي عانت من شلل في الدماغ وتركي مع والدي، الذي كان يتردد علي بين الحين والآخر بتحرشات لفظية وجسدية ومن ثم تفريغ شهواته الجنسية، مما أصابني بصدمة كبيرة”.
السكوت أو القتل
تقول عذراء “كلما كنتُ أُحاول منعه يُهددني بالقتل، ويقول انه سيجد مبرراً لقتلي بدمٍ بارد، باتهامي بممارسة الجنس مع شاب وتلويث سمعتي، إذا حاولت إبلاغ احد”، وتسترجع عذراء سنوات سكوتها بألم، وتصف ذكرياتها بالمُرة والثقيلة على من يقرأ قصتها أو يستمع إليها، وتضيف “لا أحد يستطيع استيعاب فكرة أب يُشبع غرائزه بصغيرته، وسرعان ما تحول المي لألمين عندما قررت البوح لوالدتي فضربتني ووجهت لي تهمة الكذِب”، تبكي عذراء حين تتحدث عن ألمها بمرارة وتقول “وقعت بين انياب وحش يستحيل الفرار منه وأُم خاضعة تقليدية لا تستوعب هذا الأمر، فهي على مر السنين اعتادت على تعنيف زوجها لها ولا تأبه بتعدد علاقاته مع النساء”.
جراء الأضرار النفسية والجسدية التي لحقت بها فقدت عذراء القدرة على التواصل مع المحيط الاجتماعي، وحاولت عذراء الانتحار مرات عديدة، الا انها كانت تتراجع عن قرارها الداخلي كل مرة تفكر فيها بالانتحار. على رغم انفصال والديها منذ ثلاث سنوات ووجودها في منزل خال لها، لازال الخوف من عودة أبيها يؤرقها ولم تستطع نسيان ما كان يقوم بها. تقول زهراء، “يتملكني الشعور بالخوف والتهديد، فقد يستطيع بأي لحظة أن يأتي ويأخذني وينهي حياتي بدم بارد بدون رادع، فهو من المتنفذين داخل جماعة إسلامية متشددة”.
لم تكُن عذراء الفتاة الوحيدة التي سكتت خوفاً من القتل، فقصة فرح البالغة من العمر (17 عاما) لا تختلف عنها بشيء، سوى ان الشخص الذي اغتصبها كان شقيق لها من جهة الأب. تقول فرح “بعد سنوات من وفاة والدي انتقلت للعيش في بيت واحد مع أشقائي من جهة الأب، كان يكبرني بسنوات وقد تولت والدتي مسؤولية تربيته منذ صغر سنه وجعلته واحداً منا”. كانت الغيرة جزء من شخصية شقيقها بسحب روايتها، خاصة انها واخوتها كانوا متفوقين في الدراسة. كان حاول الاعتداء الجنسي كلما يجد المنزل فارغاً، وهي تتجنبه بالابتعاد عنه قدر الإمكان، إلا أن الأمر وصل الى كشر باب غرفتها. قررت فرح عدم السكون عن ذلك وكشفت الأمر لوالدتها بما يحصل معها. “فاكتفت والدتي بتوبيخي واستمرت هذه المشكلة عدة شهور حتى تجرأت وفضحته أمام اعمامي وتم فصل المنزل الذي نعيش فيه بيننا وتخلصت من سطوته” تقول فرح.
الحقيقة المرة
يعد البوح بالتفاصيل المذكورة في هذه القصص وغيرها من أحداث اغتصاب الفتيات من قبل ذويهن، ضرورياً للحد من جريمة مسكوت عنها في المجتمع العراقي. وقد تتمكن الفتيات المغتصبات من قبل أقرب الناس، من الخروج من العُزلة والحصول على حقوقهن واكمال دراستهن والعيش بكرامة، ناهيك باستعادة الثقة بأنفسهن. تشير باحثة ومتخصصة في العلوم النفسية الى ان التأثيرات النفسية والاجتماعية على ضحايا زنا المحارم، تفقد الضحية الثقة بالآخر فضلاً عن صعوبة اقامة علاقة عاطفية او جنسية سوية مستقبلا. ويعود سبب ذلك بحسب د. نهى نجاح عبدالله الى ذكرى علاقة غير سوية وتأثيراتها على ادراك الضحية من الناحية العاطفية والجنسية، مما يشكل مشاعر سلبية لديها اغلب الأوقات. “وهي في الغالب مشاعر متناقضة بعد اهتزاز الثوابت وسقوط القدوة في عن الضحية. ان معاني الأبوة والأمومة تتشكل اثناء التنشئة الاجتماعية، وحين تتعرض الى الاهتزاز من شأنها ترك أثر كبير على نفسية الضحية ويجعلها تنظر الى نفسها واغيرها نظرة شك وكراهية ويراودها نحو الجاني مشاعر متناقضة تجعلها تنزف من الداخل”، تقول د. نهى.
تشير احصائيات عدة إلى أن اغلب حالات زنا المحارم تحدث بين العاطلين عن العمل وتكثر في البيئات المتشددة والمكتظة في الاحياء الفقيرة نتيجة تواجد وتقارب الأشخاص بينهم، كما ان نسب الاعتداء من قبل الإخوان أكبر من الآباء. ويؤكد الصحفي حيدر محمد على ان أسباب الاعتداءات الجنسية وانتهاك المحرّمات في جزء منها الى وجود أكثر من عائلة في مكان واحد يعاني شبابها من الكبت الجنسي، فضلاً عن التفكك الاسري، التربية العائلية وضعف الواعز الديني لدى البعض. الى جانب ضعف الرادع القانوني الاغتصاب، يرى الصحفي بأن التكتم عليها داخل العائلة خوفاً مما يسمى بالفضائح سبب آخر من أسباب الصمت تجاه الاعتداءات الجنسية. وما يساعد على بقاء الاعتداءات بحسب الناشطة النسوية ريام الدليمي، هو تواطؤ العائلة كلها على هذا الأمر المشين وتشجيع الجاني بحمايته وإخفاء معالم الانتهاك وتهديد الضحية واتهامها بالكذب.
تشير المحامية صابرين عبد الحسين الى ان قانون العقوبات العراقي يعاقب مرتكبي جريمة زنا بالمحارم وفق احكام عقوبات القانون العراقي المادة (٣٨٥) بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين كما نصت أيضا المادة (393)، خاصة إذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ الثامنة عشرة سنة كاملة. وإذا كان الجاني من اقارب المجني عليه الى الدرجة الثالثة او كان من المتولين تربيته او ملاحظته او ممن له سلطة عليه او كان خادما عنده او عند أحد ممن تقدم ذكرهم، فيكون الظرف مشدداً، وكذلك الحال، إذا حملت المجني عليها او ازيلت بكارتها او اصيبت بمرض تناسلي جراء ذلك او كان الجاني من المتولين تربية المجني عليها او ملاحظتها او ممن له سلطة عليها. ولا يجوز تحريك الدعوى عن هذا الفعل او اتخاذ اي اجراء فيه الا بناء على شكوى من المجني عليها او من اصولها، او فروعها، او اخوتها، او اخواتها.
لقد تم توثيق ازدياد اعتداءات جنسية وانتهاك المحّرمات مع تفشي جائحة كورونا، وذلك بسبب بقاء أفراد العائلات في المنازل، الأمر الذي وسع نطاق الاعتداءات. وبحث الصحفي الاستقصائي رحيم الشمري هذا الأمر في عمله، مستنتجاً بأن “التعليمات الحكومية فشلت أثناء فرض حضر التجول وتسببت بحدوث مشاكل ادخلت العائلة بعدة اتجاهات بدل اتجاه واحد”. ويرى الشمري ان التوعية والتثقيف بمهنية عالية من خلال فرق عمل مشتركة بمساندة الصحافة ومنظمات المجتمع المدني، في المناطق الشعبية والعشوائيات والنائية، أمر عاجل وضروري لمكافحة الاعتداءات.
ويؤكد المتحدثون في هذا التقرير على أهمية فتح الطريق للضحية للإفصاح عن نفسها وطرح مشكلتها، مع توفير بيئة آمنة لها وحمايتها من تكرار الاعتداء. دون الحديث عن الاعتداءات وكشف الفاعلون ومعاقبتهم قانونياً برأيهم، يسود الصمت عما ترتكب من الانتهاكات الجنسية بحق النساء والفتيات. كما تحتاج الضحايا الى توفير مراكز للعلاج النفسي والجسدي ومساعدتهم في العودة الحياة الطبيعية.
والحال هذه، يعد ابعادهن عن الجو الأسري المشحون وتوفير أماكن تساعدهن على تخطي الصدمة الناتجة عن الاعتداء اجراءً ضرورياً. تضاف الى كل ذلك إعادة رسم العلاقات الاسرية للتخلص من الآثار الناتجة عن انتهاك المحرّمات، ذلك ان البيئة التي حصل الاعتداء والاغتصاب تحتاج الى المعالجة للتخلص من آثارهما أيضاً.