عبد الستار العبادي
ان الغرض التربوي يسمو على الغرض التعليمي ، لكون ان مايحتاجه الانسان والمجتمع أولا هو البناء القيمي الذي تحدده المعايير الاخلاقية المحلية والعالمية المشتركة والتي تمثل الاسس والاركان والقواعد الانسانيةللشخصية ،حيث يساهم في انعاش وتنمية بذور الخير والمحبة والعطاء والتعايش السلمي .واينما تجد نموا كبيرا في التعليم ستجد هناك اسس تربوية سليمة سبقته لتمهد الطريق امام التقدم العلمي وان هذه الاسس التربوية هي الضمانة الحقيقية للبناء المجتمعي القوي والمتماسك والواعي ،وهي اساس كل التزام وطني وأنساني ،وهي بالتالي الوعاء الاصلح للمعرفة سواء كانت علمية ، أو أدبية ، أو فكرية عامة ، أو قانونية ، وبدونها تعتبر أي معرفة هي وسيلة لكسب الرزق او للتسلق على جدران الفضيلة والقفز عليها لتولي السلطة والتحكم بمصائر الناس .
ومن خلال هذه الرؤية أود أن أشير الى ماتداولته الصحافة ومواقع التواصل عن مقترح مجلس النواب لاضافة مادة دراسية جديدة الى المناهج المدرسية مايسمى ب( التربية القانونية ) في المرحلتين الابتدائية والثانوية .
وهنا لابد من الاشارة الى مجموعة من الملاحظات حول هذا القرار :
١- أن اضافة أي موضوع الى المناهج الدراسية يعتمد على اسس ومنها وجود فلسفة تربوية واضحة للدولة تعتمد على ثوابت ومتغيرات تحددها لجان وطنية متخصصة عليا .واعتقد لحد الآن نحن لم نصل الى هذا المستوى من الاحتكام .
٢- ان اضافة أي مقرر جديد الى المناهج في المرحلة الابتدائية والثانوية يجب أن يكون متصلا بمجموعة المعرفة المصممة لكل مرحلة وفقا لاستراتيجيات وطرق واساليب تعليمية تناسب اهمية الموضوع وحجمه وتنوعه وتناسبه مع المرحلة السيكلوجية للمتعلم .
٣- أن اضافة منهج جديد الى المناهج المقررة سيشكل عبئا اضافيا لجهد التلاميذ والطلبة في ظل التخلف الدراسي الحاصل حاليا ونسب النجاح المتدنية .
٤- أي منهج جديد للطلاب والتلاميذ يقوم بتأليفه اناس من خارج العملية التربوية سيكون ورم غريب على جسم العملية التربوية لأنه سوف لن يكون صالحا من حيث النكهة والطعم التربوي وخاليا من المعززات التربوية المطلوبة .
٥- أن القوانين هي من المعارف المتغيرة وفقا للظروف الموضوعية للبلد أو المتغيرات المحلية والعالمية ووفقا لرؤية نظام الحكم .ولذلك الثقافة القانونية تحتاج الى متخصصين ومتابعين للمتغيرات لتحديث وتجديد مايطرأ من قوانين وهذا لايمكن ان يحدده منهج دراسي ثابت ومقرر مواضيعه قد تخالف الواقع في بعض الاحيان .
٦- اضافة الى المشاكل المدرسية الحالية في قلة الكادر التدريسي وعدم قدرة الدولة على التعيين كما يدعون ،ستضاف مصيبة جديدة لمديريات التربية والمدارس باستحداث شواغر جديدة لهذه المادة تزيد من المشكلة الحالية وتفاقمها .
٧- كل العلوم التي يدرسها الطلبة في مدارسهم هي افكار ونظريات ومفاهيم عالمية مشتركة ،فهي مصدر من مصادر المعرفة العالمية الموحدة ،أما القوانين الكثير منها ليست مشتركة وهي احيانا حتى محليا قد تكون ليست ثابتة ، وليس لها نظائر أقليميا او عالميا فغالبا ماتختلف القوانين من دولة الى اخرى أو من مكان الى آخر .وهنا لايتحقق الأثر الثقافي المنشود للتعلم المدرسي .
المقترح :
ان يضاف منهج التربية الاخلاقية بدلا من التربية القانونية ،ويتضمن برامج تربوية تعزيزية وفقا لمفاهيم وقيم اخلاقية محلية وعالمية مشتركة . يعتمد على :
١- اشاعة المفاهيم الانسانية التي تركز على اهمية انتماء الفرد لمجتمعه كمواطن وللعالم كأنسان .
٢- اشاعة روح التعاون والمحبة والاخلاص والتنافس الشريف والابداع من خلال برامج تربوية نظرية وعملية وخصوصا للمرحلة الابتدائة لزرع هذه القيمة الاجتماعية الكبيرة .ونبذ روح الانانية والتفرد والتطفل .
٣- التركيز على اهم الاسس في الحقوق والواجبات ومايترتب عليها من فوائد ومن اهمالها من مضار واعطاء الامثلة المحلية والعالميةالمثيرة والمقبولة والقريبة لنفس التلميذ ..
٣- لابد ان يتضمن المنهج التربوي مجموعة كبيرة من الافلام التي تعزز القيم التربوية في المجتمعات لماللتعلم البصري من أثر كبير وسريع وايجابي .
٤- لابأس من الاشارة الى بعض القوانين التي تتسم بالثبوتية عالميا التي تحكم الاخلال بالقيم المجتمعية وامثلة عليها .وهنا يتم الاشارة الى المهم والثابت والمشترك عالميا من الثقافة القانونية المطلوبة .
٥- استغلال دروس المطالعة والانشاء لغرض البحث والكتابة عن بعض الملامح الاخلاقية للافراد او المجتمعات واهميتها في النهضة والتقدم واثرها على سعادة الفرد والمجتمع .فغالبا مايكتبه الطفل في صغره يكون جزءا مما يعتز به ويتأثر به سلوكيا اكثر مما يقرأه .
٦- لابد من اقامة الندوات والمحاضرات داخل الصفوف حسب برامج تربوية معدة مسبقا لشخصيات قانونية مقتدرة وكفوءة باسلوب تفاعلي وتواصلي لتوضيح بعض الاسس القانونية واثارها المجتمعية والممارسات اللااخلاقية التي تؤدي الى انحلال المجتمع وتمزقه .وهي تحقق الاهداف اكثر من منهج سيكون للحفظ ولغرض النجاح كما هي بعض المناهج الجافة .
٧- ان منهج التربية الاخلاقية هو من صميم العملية التربوية واهم مبادئها واولياتها وهو من المواد التي يتوفر لها متخصصون جاهزون من خريجي علم النفس والاجتماع والارشاد التربوي ، ولايحتاج الى اعداد كوادر جديدة غير مهيأة .
٨- ان تعلم الاخلاق كفكر وقيم وسلوك عادة يكون قابل للقياس ويبنى عليه معرفة مدى التقدم الحاصل في تحقيق هذا الهدف عكس تعلم القوانين ليس لدينا وسيلة قياس غير الحفظ والدرخ فقط .
٩- أن درس التربية الاخلاقية أن أحسن اعداده وتدريسه ورعايته سيكون داعما ورافدا من روافد المعرفة القانونية وعاملا من عوامل بناء الفكر الملتزم بالقانون كون الاخلاق هي صورة الفضيلة التي جاء ليحميها القانون نفسه .
.واكيد هناك اضافات كثيرة لما تطرقت له حول مااقره مجلس النواب من اضافة مادة التربية القانونية ، وماابديته من ملاحظات واقتراحات وهي تمثل رأيي الشخصي .حسب خبرتي واختصاصي .
راجيا من الله التوفيق لبلدنا العزيز ،وان يهدي ممن يخدمون شعبنا بما يسعده ويرضيه تعالى .
عبد الستار العبادي ….. الخميس ٢٠٢٢/٦/٢٣
موفق ان شاء الله أستاذنا الفاضل
السلام عليكم
يجب ايصال هذه المخطوطة الى جميع النواب العراقي
ورقة تربوية وعلمية رصينة تحمل رسالة سامية من لدن استاذ ومشرف تربوي اختصاص خبر العملية التربوبة على مدى اكثر من ثلاثة عقود… ما قدمت استاذ عبد الستار هو ما تحتاجه مدارسنا ومجتمعنا جميعا وسط هذه البلاد التي هي الآن كسفينة تائهة في عرض بحر مائج.