محمد عبد الجبار الشبوط – محلل سياسي
بغض النظر عن كونك متفائلا ام متشائما فيما يتعلق بالانتخابات “المبكرة” المزمع اجراؤها في العاشر من شهر تشرين الاول المقبل، فان قيمة الانتخابات تكمن في نتائجها، اضافة الى الشروط التقليدية الاخرى المتعلقة بنزاهتها وشفافيتها ونظافتها من التزوير والمال السياسي والسلاح السياسي.
عندي ثلاثة معايير ارى ان تحققها دليل على نجاعة الانتخابات واهميتها بالنسبة للمرحلة التالية من حياة بلدنا.
المعيار الاول، نسبة المشاركة. لا توجد تحديدات قانونية مسبقة للحد الادنى الواجب تحققه من نسبة المشاركة. لكن تحقق نسبة “معقولة” من المشاركة يخلق حالة من الاطمئنان لدى الناس.
لا يسجل التاريخ مشاركة انتخابية بنسبة ١٠٠٪. في الانظمة الديمقراطية السليمة حيث يوجد دائما مواطنون لا يذهبون الى مراكز الاقتراع للادلاء باصواتهم ولاسباب شتى ليس من المهم تعدادها. لكن الانخفاض الحاد بنسبة المشاركة يشير الى وجود شيء غير سليم في الحياة السياسية للبلد المعني، مثل عدم ثقة المواطن بالعملية الانتخابية، او سلبية المواطنين بصورة عامة، او قدرة الدعوات الى المقاطعة في التأثير على الناخبين الخ خاصة اذا تذكرنا ان المشاركة بالانتخابات في اغلب البلدان حق وليست واجبا، بمعنى انها ليست الزامية، بمعنى ان عدم المشاركة لا يترتب عليها اية اجراءات جزائية او عقوبات، وبتقديري ان نسبة مشاركة ٥١٪ فما فوق تمثل نسبة “معقولة”. ولا يوجد قياس اخر في الانظمة الديمقراطية غير “الاكثرية”. تبقى الانتخابات شرعية بالنسبة الاقل، لكنها في هذه الحالة لن تكون مريحة نفسيا من جهة، ولن تكون معبرةً عن رأي الاكثرية، من جهة ثانية. وهذا قد “يشكل خطرا كبيرا على الانتخابات الوطنية”، كما يقول لاري دايموند.
المعيار الثاني ان تسفر الانتخابات عن فوز عدد قليل من الاحزاب لكن بحجوم كبيرة. سلامة الحياة البرلمانية تكمن، من بين امور اخرى كثيرة، بوجود عدد قليل جدا من الاحزاب او الكتل البرلمانية المتماسكة، بحيث يكون احدها حزبا كبيرا يملك اغلبية مطلقة في البرلمان، اي نسبة ٥١٪ من العدد الكلي للمقاعد البرلمانية، ويكون الثاني حزبا متوسطا الحجم، ولا بأس بحزب او حزبين صغيرين. توفر هذه النتيجة استقرارا في الحياة السياسية. اما اذا اسفرت الانتخابات عن وجود احزاب كثيرة في البرلمان ليس بينها حزب كبير او حزب متوسط، كما هي الحال الان، فهذا يعني ان الحياة السياسية مريضة لان الاحزاب الصغيرة او الصغيرة جدا او الشخصية او المجهرية لن تكون ذات تأثير ملموس في مجرى الاحداث، وهذا يعني ان المواطنين الذين صوتوا لها فقدوا امتياز ان يكون لهم ولممثليهم دور في القرارات ذات العلاقة بحياتهم. حاليا، فقد هذا الكلام قيمته لان لدينا الان مئات الاحزاب التي سوف تخوض الانتخابات. تبقى هناك امكانية النواب الفائزين على التكتل بسرعة ضمن كتل برلمانية كبيرة، واحدة، و كتلتين متوسطتين، او اقل، وثلاث كتل صغيرة او اقل، لكن ليس اكثر من ذلك باي شكل من الاشكال، بمعنى ان يتراوح العدد من ٤-٦.
سيؤدي المعيار الثاني الى تسهيل تحقق المعيار الثالث وهو سهولة تشكيل حكومة اغلبية سياسية من قبل الكتلة البرلمانية الكبيرة ذات الاغلبية المطلقة. وفي مقابلها تتشكل معارضة برلمانية قوية من بقية الاحزاب والكتل، بل يمكنها تشكيل “حكومة ظل” على الطريقة البريطانية. ولا يضر بالعملية الديمقراطية ان تكون حكومة الاغلبية السياسية معبرة عن التنوع القومي والمذهبي في المجتمع العراقي، ولكن ليس على اساس المحاصصة المعمول بها حاليا.
شكلت الحكومات السابقة منذ سقوط النظام الدكتاتوري على طريقة المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية. وكان هذا احد عيوب التأسيس في العملية السياسية واحد اسباب العوق وعدم الكفاءة في تلك الحكومات. والتغيير الحقيقي في المشهد السياسي بعد الانتخابات يجب ان يتمثل في قدرة الطبقة السياسية على تشكيل حكومة اغلبية سياسية على اساس برنامج حكومي محدد. بتنا الان نعرف مساويء حكومات المحاصصة لكننا لم نكتشف محاسن حكومة الاغلبية السياسية.