الإعلام / عبد الحميد الصائح

الإعلام / عبد الحميد الصائح

 

عبد الحميد الصائح

لايوجد فنٌ محايد أو اعلام محايد في العالم .. آليات العمل الفني والخطاب تقوم اساسا على انتاج الإنحياز موظِّفةً الخيال والواقعة والمعلومة من أجل الانسان واسئلته المعلقة دون اجابات في وجودنا هذا . فضلاً عن تحدياته وهمومه اليومية ومواجهاته مع القسوة والظلم وافتراس الضحايا الذي نشهده .

اما فكرة الانحياز والمطالبة بالحياد إنما هي فكرة شعبية مبسطة تتعلق بالنزاعات السياسية الضيقة والولاء للجهات المتنازعة أو الشخصيات الفاعلة في الحياة اليومية وهذه لاتمثل الا نزرا يسيراً من مهمة الانتاج الثقافي والاعلامي .

ربما يتطلب حواراً في الصحافة وضع اسئلة لاستدراج معلومة معينة او موازنة بين رأيين .. لكن ذلك لايعني ان تكون محايدا في قضايا عليا تهم الوطن والانسان واتخاذ موقف من السلوكيات والاحداث التي تحدد مصيره داخل الوطن او في العالم اجمع ..

فكيف يمكن للاعلامي أو المثقف الحقيقي عموما أنْ يكون محايداً بازاء الموت والفساد والتلاعب بمصائر الناس !؟ كيف يمكن له أن يقف مكتوف اللسان أمام انهيار القيم العامة والتجهيل وتغييب العقل وضرب مرتكزات الوعي والعلم والحداثة ..
ومباشرة كيف يمكن للمثقف الاعلامي ان يعيش ساكتاً باردا ( محايدا) وهو يرى بلاده متأخرة وشعبه منهكا تقوده مؤسسات بلا عمل حقيقي ولا مشروع لبناء الدولة ينخرها الفساد !؟

لاشك انه مطالب بقول ما لايقال في الاعلام المهادن التعبوي لصالح تجار المال والسلاح .في بلد قدم ابناؤه ارواحهم دفاعا عن كرامته ضد الارهاب والاحتلال والتربص الخارجي بمقدراته ومستقبله ؟

واذا كان من الطبيعي لاية ظاهرة او نشاط من ضوابط مهنية واخلاقية اداء ولغة واساليب وايلاء عناية بالمصالح الانسانية العليا المجردة .. اي المصالح البعيدة عن رضا هذا الطرف او ذاك .. فان تلك الضوابط ينبغي ان تقصر في حدود المواثيق المهنية، وليست في قوانين وفرمانات تشبه مشجب العصي الجاهزة لرفعها بوجه أي منتقد لظاهرة بهدف الاصلاح والتشخيص لا بهدف الاساءة .

عالمنا يشهد حرباً طويلة لم تنته هي حرب الكلمة والتوظيف وترجيح رؤى على اخرى في مغالبة متشعبة بين البشر ، بل استثمرت الكلمة والخطاب الذي ينسج منها في تغييب شعوب وغزو ثقافات وانتهاك بلدان وتبرير حروب ، الحروب المسلحة التي هي مظاهر قليلة جدا امام حروب الاعلام وغزو العقول وتغيير القناعات وفرض الأمر الواقع على حساب الحقائق .
في هذه الحرب لابد ان نمنح للمثقف
والاعلامي الفرصة كي يكون فاعلا ومتفوقا فيها ، وهذا لا ياتي بقمع الحريات وتحديد الأولويات بل بتحريره من سلطة المؤسسات التي تمتهن الاعلامي وتعامله كموظف مطيع لخطوطها الحمر .أمّا ان تتواطأ القوانين العامة وسلطة المؤسسات الإعلامية معا على العاملين فانما نكون قد خلقنا مثقفين محتقنين بعضهم ينافق هذا السيل من المحددات وبعضهم الاخر ينزوي بعيدا ممسكاً بحريته وسلامة سريرته وحسن سيرته دون أنْ يستثمر دوره في هذه الحرب الواسعه التي تستهدف الوطن والانسان من جهات عدة .
يمكنني اعتبار ماتقدم رسالة لمعالجة الكثير من الضغوط التي تعرض ويتعرض لها الاعلام الحر في العراق الذي خلق تكرارها واتساعها اعلاما عراقيا مكررا متشابها بلا قيمة ولا رؤية للمستقبل ولادور يشير الى وجود مثقف شجاع واعلام حقيقي .

(Visited 9 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *