النفط وتكوين الذات

النفط وتكوين الذات

يحيى ناصر محسن العقابي*

منذ اكتشاف العراق لثروته النفطية وبالتحديد في بدايات القرن التاسع عشر ودخوله في مصاف الدول المنتجة له والى تاريخنا الحالي يعاني من ضعف في القدرة على تثبيت سياسة نفطية مستقرة ورصينة تمكنه من تحويل هذه الثروة إلى مرتكز اقتصادي فعال داعم لبناء اسس التنمية ،فبالرغم من استحواذه على احتياطيات نفطية هائلة ،الا انه فشل في أستغلالها مقارنة مع الدول التي لديها احتياطيات نفطية مهمة والتي يتقدم عليها العراق بكثير من عوامل التفوق ،لامتلاكه العنصر البشري الفعال والإرث الحضاري وتاريخ مميز في التعامل مع هذه الثروة ، مما جعل منه ملتقى فكر المفكرين ومنهلا لإبداعهم ،فضلا عن امتلاكه المقومات الطبيعية التي تكمل إمكانياته النفطية الهائلة والتي بقيت طوال تلك السنين قاعدته الاقتصادية الوحيدة .

إن النفط حال استخراجه من الأرض يتحول إلى سلعة خاضعة للقوانين الاقتصادية المعروفة كباقي السلع، والتي جعلت منه عنصرا مهما في إحداث التغيير للدول التي تنتجه فصار سمة أساسية من سمات معالمه الاقتصادية ، ان ما يميز اقتصاديات الدولة الناجحة سعيها إلى سياسة التنويع الاقتصادي مستفيدة من الإيرادات التي يحققها النفط هذه السلعة المهمة، والتي يمكن القول انها تعتبر الخطوة الأولى على طريق مراحل تكوين الذات وتجنب الاستسلام إلى الجمود والاتكال على إيرادات النفط فقط واعتباره خزين ورصيد مضمون على المدى القريب ،والذي قد يتحول إلى معطل لطاقاته الإبداعية، مع انك تجد كثيرًا من الدول لاتمتلك ثروات نفطية لكن لديها إمكانيات اقتصادية هائلة ناتجة عن تحريك ذاتها والبحث عن مصادر القوة فيها لتستثمرها أستثمارا حكيما وفق منهج علمي دقيق بعيدا عن الرؤى القاصرة والمشوشة والمضطربة،وهذا لاينفي وجود دول نفطية نجحت بتبني أنماطا من السلوك الاقتصادي أثبتت نجاحها، بعد أن نظرت إلى النفط كمصدر موروث ينتمي إلى فئة العوامل الاقتصادية الفقيرة،

ليقرروا الحد من التبعية المطلقة له، وافترضوا عدم وجوده وتعاملوا مع ما يأتي من وارداته مصادر تستثمر في جوانب استثمارية اخرى لغرض خلق فرص للتطور والتقدم وليس لإغراض الاستهلاك، كماهو الحال في تجربة العراق الذي يبني ميزانيته السنوية على أساس النفط وبنسبة أكثر من 95بالمائة.

من المؤسف حقا إن النفط في العراق باحتياطياته الهائلة المثبتة والمضمونة والأكيدة بـ (148) مليار برميل ،وبغض النظر عن الدراسات التي تقدر هذه

الاحتياطيات بأكثر من (300) مليار برميل، إضافة إلى ما يمتلكه من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة بمقدار 132.22 ترليون قدم مكعب قياسي لازال غير خاضع لسياسة واضحة المعالم تضع هذه الثروات تحت السيطرة، لذا ترى ان السياسية النفطية في العراق وملفها شبه معدم يصعب البحث فيه او الوقوف عنده ودراسة مفرداته بدقة، على الرغم من انه لولا هذه الثروة لما استطاعت الحكومات المتعاقبة توفير ادنى مقومات العيش لفرد واحد من أفراد الشعب ،ومن جانب اخر نرى الساسة منشغلين بملفات اخرى اقل شانا وتاثيرا على تحسين اوضاع البلاد المنهارة وكأننا استدرجنا من حيث لاندري أو ربما ندري إلى إهمال سر عزتنا ورفاهيتنا وقوتنا الاقتصادية الهائلة متناسين أننا نمتلك نعمة في باطن ارضنا لم نعثر لحد الآن على إيجاد صيغة او منهجا للتواصل معها ، وكنتيجة لهذا الوهن العام الذي يدب في مفاصل الدولة بقتأموالنا مدفونة في أرضنا والجياع يملئون سطحها “.

ان الكثير من الباحثين والمهتمين بشؤون النفط في العالم أشخاصا كانوا أم مؤسسات يمرون مرورا مميزا على تجربة النفط في النرويج ويعتبرونها

من انجح التجارب النفطية في العالم من الناحية الاستثمارية، وبالذات خططها في التنمية المستديمة لأنها رسمت تلك الخطط في بيئة منعزلة تماما عن العائدات النفطية الهائلة وبنت حساباتها الاقتصادية وفق سياسة سليمة اعدت من قبل جيولوجي عراقي مغترب يمتلك منظورا فنيا و اقتصاديا والذي كان يعمل في شركة نفط الجنوب في البصرة. من كل ماتقدم اعلاه و وفقاً لمنظور تكوين الذات في بلدنا فان الامر يتطلب تبني سياسة نفطية فاعلة تستثمر عوامل النجاح ومنها التعامل مع خبراء النفط العراقيين بعد إن عجزت الدولة عن أيجاد الاسس السليمة وفشلت الى الان في اصدار قانون النفط والغاز والذي لازال في مجلس النواب لم يرى النور ولا احد يعرف سر عدم إقراره.

*رئيس مهندسين اقدم/ متقاعد

متخصص في مجال النفط والغاز

(Visited 21 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *