المقال يعبّر عن رأيي الشخصي
بليغ ابو گلل
لا اختلاف على أن الماء أصل الحياة، ولأن الحياة متنوعة فإن كون الماء بلا لون ولا طعم ولا رائحة ميزة له لا عيبًا فيه! وهي ذات الصفات هي التي تجعله أصلًا للحياة! إن تقمّص أي جهة سياسية لدور الماء سيفقدها لونها وطعمها ورائحتها، فإن فقدت هذه الصفات ما بات وجودها مؤثرًا في المجتمع بالنحو الذي تريده! لقد زارني أحد الأصدقاء المقربين والفاهمين إلى بيتي فسألته مبادرًا: كيف رأيت الخطاب الشعبي للسيد عمار الحكيم في يوم الشهيد العراقي؟ فقال لي بحماسة وثقة: الأهم أن أصبح لكم لونًا خاصًا بكم، فقد كنتم بلا لون بعيدًا عن تقييمي للخطاب مؤيدًا أو معارضًا!
وبعيدًا عن تحليل الخطاب ورسائله فإني أتفق أن ما أهم ما ميّز الخطاب هو الوضوح في الرسائل الشعبية منها أو الموجهة إلى القوى السياسية أو المجتمع الدولي! لقد خلا الخطاب -وبشكل غير معتاد من الحكيم- من الرسائل المتقابلة والمتضادة والمركّبة! فقد كانت هذه الرسائل صعبة الفهم على كافة المستويات لأنها رسائل من قبيل: (نعم ولكن) أو (لا ولكن)! رسائل في خطابات سابقة كان الكثير من السياسيين والإعلاميين -بعد أن ينتهي الخطاب- يسألوننا -بعد أن يُثنوا على بلاغة الخطاب ودقته-: ولكن ما الذي تريدونه وما هو موقفكم؟! لم يكن موقفنا مبهمًا بالنسبة لي في الخطابات السابقة بل كان جليًا جدًا، ولكنه -بلا شك- لم يكن واضحًا لعامة السياسيين والناس، لأنه كان مركبًا ومشفرًا يصعب فهمه على المطلعين فضلًا عن غير المطلعين منهم!
الوضوح في الخطاب كان هو نقطة القوة الأهم، والصدمة التي حصلت بعد الخطاب من المنتمين للحكمة والحلفاء والمنافسين هي في وضوحه أولًا قبل الخوض في مداليله ومعانيه ورسائله! فلم يعد ينفع الحكمة إلا أن تخاطب الناس بوضوح في ما تريد إيصاله لهم، وإن كنا يجب أن نختار المواضيع التي نريد الحديث بها إلى الناس بعناية، فعلينا إذن أن نقولها لهم بوضوح وصراحة، ولن ينفع الناس -ولا الحكمة كذلك- أن نتحدث بطريقة الرسائل المشفّرة! نعم، إنّ للحديث الواضح ضرائب كبيرة وخصوصًا مع القوى السياسية، ولكنها ضرائب تستحق أن ندفعها لأنّ ضرائب التشفير والتلميح ليست بأقل من ضرائب الوضوح والتصريح! ولقد دفعنا ضرائب كثيرة نتيجةً لمراعاتنا للتوازن حتى فقدنا في بعض الأحيان هويتنا الخاصة وفهمتنا الناس بطريقة معاكسة تمامًا لما كنا نريده! علينا أن نغادر لعب دور الحكم في المباريات لأننا لم نرَ في يوم من الأيام -إلا نادرًا- أن شجّع الجمهور -الشعب- الحكم أو انحاز له! يجب أن نكون فريقًا قويًا في الساحة السياسية العراقية، وأن نمارس هذا الدور باحترافية عالية، فالقوة هي التي تعطي الأدوار الحقيقية للتأثير، ولن نكون أقوياء من دون أن نستمر بخطاب واضح في رسائله ومواقفه كما حصل في يوم الشهيد العراقي! وأي تراجع عن ذلك فإن خسارتنا ستكون مضاعفة داخليًا وخارجيًا!