جاسم مراد
مادام تفسير المحاصصة في ادبيات الكيانات السياسية ، من انه تعبير منطقي للمشاركةفي الحكم ، فأنه من الضرورة ايضاً أن تكون المذاهب والعرقيات امراً فاعلاً في رسمسياسات البلاد ، وبالتالي من يدعي بأن الجميع ذاهبون لنظام وطني إذ كان عبر التكتلالثلاثي أو من خلال التنسيقي فأنه يخطأ في الحساب .
الطبيعة لكل الأطراف ، ليس مهمتها دراسة الفشل الذي سببته المحاصصة وادت بالعراقالى دولة قريبة من الفشل ،وإنما تركيبتها السياسية والفكرية والاجتماعية ، لن تسمح لهابمغادرة هذا الموقع لكونه يعطيها فرصة الاستئثار بالسلطة والدولة وبعض تكويناتالمجتمع التي تلهو مع الشعارات دون قراءة مستقبل الحياة لها وللاجيال القادمة .
هذه الحالة هي التي ساهمت بعمليات التدافع العشائري التي تؤدي الى المزيد منالتناحر والخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية ، كون العشيرة وقبيلة العائلةصارت جزءً من الحشد التنافسي للأحزاب والكيانات السياسية للوصول الى السلطة .
من حق السيد جعفر الصدر الذي يتردد في القبول برئاسة مجلس الوزراء ، وهو الذي اكدمن إنه مع نظام مدني متين يكون لمصلحة الشعب ومن أجل الانسان العراقي دون تمييزبين منطقة وأخرى ومذهب واخر ، وبطبيعة الحال مثل هذه الرؤية الجعفرية لايمكنها أنتنسجم وتتوافق مع سلوكية ومنهجية عمل هذه الكيانات ، وان حصل ذلك فيقيناًسيصطدم بكل تركيبات القوى التي قادت العراق الى الفشل طيلة اكثر من ( 19) عاماً .
شئنا أم ابينا فالعراق على مفترق طرق ، بين سلطة ودولة وطنية اتحادية قوية تفرضحاكميتها على كل مساحة العراق وتوظف الموارد لمصلحة الانسان وحقه المشروع فيالحياة الكريمة ، ام إن الأمور تذهب الى اكثر مما حدث في الانتفاضة التشرينية شهداءبالمئات وجرحى بالالاف ، وبالتالي يتحول الاختلاف بين إرادة الشعب من جهة والقوىالحاكمة من الجهة الأخرى الى تناقض حقيقي ويتسبب الى المزيد من الخسائر .
الاختلاف الان بين التنسيقي والثلاثي وبين الحزب الديمقراطي وحزب الاتحادالكردستاني ، ليس أسبابه الاختلاف على البرامج لو صح ذلك لكان من الممكن حلّ جميعالإشكاليات وانما الاختلا ف على مواقع السلطة وفوائدها ، وهذا مايؤشر بأن المرحلةالقادمة ان لم تكن تصادمية افتراقية ، فهي بالضرورة ليست بناءة منتجة في خدمةالمجتمع .
في ضوء التطورات العالمية ، والتي افرزت صعودا كبيراً في سلة الاقتصاد المنزلياليومي لم تشهد العائلة العراقية معالجات حقيقية للظروف المعيشية القاسية سوىالبيانات ، وهذا يعبر بأن سلطات الحكم واحزابها ليس بمقدورها ضبط السوق ولا إمكانيةتفاعلها في إيجاد الحلول ، لكونها لا تملك المخزون الذي يؤهلها لتنافس التجار بغيةخفض الأسعار ، وبالتأكيد هذا الوضع يعبر عن الخلل القائم في تركيبة النظام ، وحتماًينسحب على مجمل السياسات والمواقف الأخرى .
تشير بعض المصادر المقربة من القوى السياسية المتنافسة على الحكم ، إن فشل التحالفالثلاثي في تحقيق الأغلبية البرلمانية وفي إيجاد صيغة تقبل بها الأطراف الأخرى ، فأنالتنسيقي يشتغل مع الأطراف الأخرى الكردية والمستقلين لتحقيق الأغلبية وترشيح بعضاركانه ومنهم السيد نوري المالكي .
هذا اذا اصر السيد جعفر الصدر على الممانعة في تسلم رئاسة الوزراء ، والصدر ذاته كماترشح تللك المصادر لن يقبل رئاسة حكم مشغول بالأنانيات والصراعات السياسية من اجلالسلطة ، وإنما يريد كما تحدث ( لصحيفة الزمان ) ، سلطة مدنية قادرة فعلياً لتلبيةحاجات المواطن وتحقيق الرخاء الاجتماعي ورفض ومحاسبة كل من يخترق قوانين الدولةوحقوق المواطنة ، وبالطبع مثل هذه الأفكار لا تتفق ولا تنسجم مع التركيبة السياسيةللقوى الحاكمة .
لقد عاش المواطن العراقي ( 19) عاماً وهو يبحث عن حلول جدية للازمات الخانقة فيالبنى التحتية والكهرباء والصحة وغيرها ولم يجد أو حتى يتلمس إمكانية للمعالجات ،كما لم يسجل في ذاكرته طيلة هذه الفترة مراجعة جدية من القوى والأحزاب لاسباب تلكالإخفاقات والنكسات حتى يمكّنه من زراعة الامل لقادم الأيام ، لذلك فقد كان طابع اليأساعلى بكثير من الشعور بأمل انجاز حقوقه وبناء دولة وسلطة المواطنة ، وهذا الوضعبالتأكيد سيعمق عملية التضاد بين السلطة بكل مكوناتها من جهة والانسان العراقي منالجهة المقابلة ، لذا تصبح الخشية من التصادم بين الطرفين اعلى واقوى مما حدث فيالسنوات الماضية ، وكما يقال قطع الاعناق ولا قطع الارزاق والحقوق .