سلام ابراهيم : رواياتي مزيج من الواقعية والكوابيس والمثيولوجيا الدينية

سلام ابراهيم : رواياتي مزيج من الواقعية والكوابيس والمثيولوجيا الدينية

لست كاتب رواية أحداث غايتها التشويق ونيل أعجاب القرّاء، فما أسهل هذا
النمط من الكتابة.
أدركتُ بوقتٍ مبكر وقبل أن أكتب الرواية، وفي خضم انغماري في كتابة
القصة القصيرة، ومن خال معاينتي الفاحصة للنصوص العراقية الرائدة
والعربية والعالمية أن القصص والروايات الإنسانية تبحث في ثيمة محددة،
«الجريمة والعقاب » لدستيوفيسكي مثا في «الشعور بالذنب لدى الإنسان ،»
الشيخ والبحر » لهومنيغواي في «روح الإنسان المقاوم « ،» المسخ » لكافكا في
«إغتراب الإنسان وانسحاقه »، والأمثلة بعدد الأعمال الروائية العظيمة. هذا
الأدراك الذي كان غير واضح تماما جعلني أبحث في القصص التي كتبتها في
ثيمة محددة تتعلق بثنائيات الوجود، الوجود وعدمه، الحياة والموت، الحب
والكره، السعادة والتعاسة، الجبن والشجاعة، وهكذا..
لذا تركزت فكرة البحث وأنا انتقل لكتابة الرواية. ففي روايتي الأولى «رؤيا
الغائب » التي صدرت عن المدى 1996 كنت أعاين فداحة الفقد الذي شعرت
به عند فقدان أخي وصديقي الذي شاركني في غرفة واحدة في بيت
طفولتي، طالب الجامعة والتشكيلي الشيوعي «كفاح عبد إبراهيم 1983-1957 »
في أقبية الدكتاتور، صورت فاجعة الفقد بتخيل ساحة الإعدام في القسم
الأول، وتخيل العالم السفلي للأقبية في القسم الثاني، وفي الثالث طقوس
التشييع والدفن وحزن الأمهات المرّ. لتتحول الرواية إلى صرخةٍ تمجد الإنسان
في وطن صار الموت فيه ظاهرة يومية عادية وإنسانه الأرخص.
في روايتي الثانية «الإرسي » التي صدرت عن دار «الدار » القاهرة 2008 بحثتُ
في محنة العراقي وهو يواجه الموت في زمن الحرب من خال ثيمة «التشبث
بالحياة والبقاء حياً بكرامة » فصورت مسيرة من يساق قسراً
لجبهات الحرب فيهرب ويتخفى في القسم الأول المقسم إلى
تسعة فصول، كل فصل منسوج على ثيمة ثانوية تعمق
الثيمة الرئيسية، أما في القسم الثاني فصورت حياة المختفي
عند التحاقه بالثوار في خمسة فصول، نسجت على ثيم
ثانوية تعمق الثيمة الجوهرية للرواية.
الروايتان «رؤيا الغائب » و «الإرسي » اندمجت أجوائهما
الواقعية بأجواء الكوابيس والمثيولوجيا الدينية للجنوب
العراقي.
في روايتي الثالثة «الحياة لحظة » التي صدرت عن الدار
المصرية اللبنانية 2010 القاهرة بنيت الرواية على فكرة
عنوانها وهي ناصية من يصلها يجد نفسه يعيش صريحاً
يكشف الأسرار، والماضي التاريخي والشخصي لشخصيات
النص بفصولها الخمسة عشر حيث تقوم هذه الشخوص
بتعرية ذواتها، والتاريخ العراقي وتحاور قناعاتها الفكرية ببنية
المدينة الفاضلة وهنا في النص «موسكو » مدينة الشيوعيين
الفاضلة، التي تتكشف أقصد كل مدينة فاضلة في كل تجارب
التاريخ عن زيف هذه الفكرة وأن تحققت فلفترةٍ وجيزة، وتتابع
مصير شخصية الرواية المحورية حتى اللحظة التي يغادر بها
لحظته عند عودته للعراق.
لضيق الحيز سأتجاوز الحديث عن روايتي الوحيدة التي صدرت
في العراق عن وزارة الثقافة «في باطن الجحيم 2013 » وهي
رواية وثائقية صورت مأساة قصف قرى الشمال العراقي
بالأسلحة الكيماوية وكنت من المصابين فيها إصابة
بليغة عَوقَتْ حياتي الجسدية وجعلتني أعيش بثلث
رئة. لطبيعة بنية وأغراض مثل هذا النمط من
الروايات وأتحدث عن روايتي الخامسة «حياة
ثقيلة » التي صدرت عن دار «الأدهم » القاهرة
2015 الباحثة في ثيمة الموت الملاحق للعراقي
أينما حلّ من خال ملاحقة مصائر ثلاث شخصيات
تركهم الرواي خلفه في العراق ليعود بعد الاحتلال
باحثاً من خلال ثلاثة أقسام مستقلة متصلة صورت
سيرتهم الحياتية ومصائرهم التراجيدية بالإضافة
إلى مصير الراوي التراجيدي أيضاَ ليخلص النص إلى
أن العراق يعيش زمن من أسوء الأزمان التي مرت به
تاريخياً حيث الموت لا فكاك منه.
أما عن أشكال تحقق النص الروائي تأسيساً على ما ذهبت إليه
كون الكتابة بحث حول موضوعة جوهرية مركزية فيتعلق بعوامل عميقة
معقدة ومركبة تتعلق ب:

  1. ثقافة الروائي التي تحوي رؤياه
    وفلسفته وحساسيته وغرضه من فعل
    الكتابة، والأهم باعتقادي هو بلوغه إلى
    نقطة أسميتها في العديد من مقالاتي
    النقدية – الحياد الموضوعي – التي تجعله
    منفتحاً يميّز الشر والخير ومنحازاً للإنسان
    في كفاحه من أجل حياة عادلة أفضل.
    دون ذلك سيسقط النص في متاهات
    ويفقد مبرره الفني والجمالي كما هو
    حال الأدب الذي مجدَّ الحروب في العراق
    زمن الدكتاتور أو مَجّدَ أفكار أيديولوجية
    داخله في صراع مع المجتمع كما هو
    حال الأدب الحزبي.
  2. قدرة الروائي وموهبته التي تحوي
    قدراته اللغوية، قدرته على إلتقاط الأحداث
    التي تقدم في رويها خلاصة حياة وتكتنز
    بالدلالات التي تعمق الثيمة، مضاق لقدراته
    التقنية في البناء الروائي وهذا يأتي من
    المراس والتجربة ودراسة التجارب الروائية
    المعروفة تاريخياً.
    أكتفي بهذا القدر لمحدودية
    المساحة وأقول: ما ذهبت
    إليه أستخلصته من تجربتي
    في كتابة الرواية التي
    أرتكزت فيها على سيرتي
    الذاتية الضاجة وكل شخوصي
    أستقيتهم وانتقيتهم من
    الحياة، أعرفهم، عشتُ معهم،
    أرتبطت بهم في علاقات إنسانية.
    لم أستقِ أي شخصية من الكتب أو
    التجارب الروائية الأخرى. وسعيت على
    مستوى فني لبناء الفصل في رواياتي
    كنص مستقل له ثيمته وبنائه ممكن
    قرائته منفردا،
    والسؤال هل قدمتُ رواية ناجحة؟!.
    لم أفكر بذلك أبداً.
    ولا أدري هل هي ناجحة أم لا؟!.(
(Visited 2 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *