حسين الصدر || كاتب عراقيَّ
-1-
قال الشاعر :
خَلَقَ اللهُ للحروبِ رجالاً
ورجالاً لِقَصْعَةٍ وثريدِ
أين الرجال الشجعان الذين يخوضون غمار المعارك الضارية والتحديات الصعبة غير عائبين بأعدائهم ، وقلوبهم لا تعرف الخوف والوجل بل هم في قمة العزم والحزم .. من الذين لا يحسنون الاّ التسكع على الأبواب يقتحمونها عُنوةً دون دعوة وهم يهتفون :
أَزُوركُم لا أكافيكم بِجَفْوتِكمُ
إنّ المُحبَّ اذا ما لَمْ يُزَرْ زارا
وهؤلاء هم الطفيليون الذين يريقون ماء وجوههم طمعاً بأطايب الطعام..
-2-
كَثُر الطفيليون في ( العراق الجديد ) ولكنْ ليس على الموائد الحافلة باللذيذ من الطعام والشراب بل في العملية السياسية، وتسللوا الى العديد مِنَ المواضع المهمة دون أنْ تكون لهم ممارسات ومواقف تشهد لهم بحبهم الصادق لوطنهم وشعبهم، ولا تحظى مصالح البلاد والعباد عندهم باية حُرمة او أولوية ..!!
-3 –
وَتَبَوءُ بالفشل – للاسف الشديد – كُلُّ الجهود والمحاولات التي تبذل لسدّ الأبواب أمام هؤلاء الطفيليين في الميدان السياسي .
-4-
ونكتفي هنا بسرد ما دوّنته بعض كتب الأدب من اخبار الطفيليين السابقين الذين باءت بالفشل محاولة إحراجهم واخراجهم من الملعب .
قال الجهضمي – أبو عمرو نصر بن علي – كان لي جار طفيلي ،
وكان من أحسن الناس منظراً ،
وأطيبهم منطقاً ،
وأطيبهم رائحةً ،
وأجملهم لباسا ،
فكان اذا دعيتُ الى مدعاة تَبِعَنِي فيكرمُه الناس مِنْ أجلي ويظنون أنه صاحب لي .
اراد ( جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أنْ يَخْتِنَ بعضَ أولاده فقلتُ في نفسي ، كأنّي برسول الأمير قد جاءني وكأني بهذا الرجل قد تبعني ، واللهِ لئن تبعني لأفضحنه ،
فأنا على ذلك اذ جاء رسوله يدعوني فمازدتُ أنْ لبستُ ثيابي وخرجتُ ، واذا أنا بالطفيلي واقف على باب داري، قد سبقني بالتأهب، فتقدمتُ وتبعني، فلما دخلنا دار الأمير جلسنا ساعة ودُعي بالطعام فقدّمت الي مائدة والطفيلي معي ، فلما مَدّ يده الى الطعام قلتُ :
حدّثنا دُرُست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع بن عمر قال :
قال رسول الله (ص) :
{ مَنْ دخل دارَ قومٍ بغير إذْنِهم فأكَل طعامهم دَخَلَ سارقا وخرج مُغيرا }
فلما سمع ذلك قال :
أَنِفْتُ لك والله يا أبا عمرو مِنْ هذا الكلام ، فانّه ما مِنْ أَحَدٍ مِنَ الجماعة الاّ وهو يظن انك تُعرّضُ بِهِ دون صاحبه ،
أَوَ لا تستحي أنْ تتكلم بهذا الكلام على مائدة سيد مَنْ أطعم الطعام ، وتبخل بطعام غيرك على من سواك، ثم لا تستحي أنْ تحدَّث عن دُرست بن زياد وهو ضعيف ،عن ابان بن طارق وهو متروك الحديث، تَحْكُمُ بِرَفْعِهِ الى النبي (ص) والمسلمون على خلافه ، لأنّ حكم السارق القطع وحكم المُغير أن يُعَزَر بما يراه الامام .
وأين أنت عن حديث حدثناه ابو عاصم النبيل عن ابن جريح عن أبي الزبير عن جابر قال :
قال رسول الله (ص) :
{ طعامُ الواحد يكفي الاثنين، وطعامُ الاثنين يكفي الأربعة ، وطعامُ الاربعة يكفي ثمانية }
وهو اسناد صحيح ، ومَتْنٌ صحيح .
قال نصر :
فأفحمني ، فلما خرجنا فارقني من جانب الطريق الى الجانب الآخر بعد أنْ كان يمشي ورائي وسمعته يقول :
ومَنْ ظَنَّ ممن يلاقي الحروب
بانْ لايصاب فقد ظَنَّ عَجْزا
واللبيب تكفيه الاشارة .
اللهم صن العراق الحبيب من الغوائل ، وجنبْه من عبث العابثين وكيد الكائدين ، واكتب له النصر والسؤدد والرفعة والسلامة بعيداً عن كل سوء .