نظرت لمرآتها في الحمام، كان منولوج
الصباح معها دائما شيق، تضاريس
أنوثتها المغرية لم تتغير، كانت دوما
تطمئن الايجو الداخلي بالتحدث لعينيها،
انت مازلت فاتنة رغم تجاوزك سن
الأربعين، ولاجعدة في وجهك وتهافت
العشاق على بروفايلك دليل على سلطة
جمالك. وانت ذكية وهذا ما يخيف
عشاقك الذين تجاوزو الخمسين. أنت
لغم، انت ثورة حب وشعر، انت أنثى
مستحيلة كما وصفك رجل النيل، ذلك
الكهل الوحيد الذي ينتظرك، ربما
تشفقين يوما على وحدته وتهذين له
ص و ت ك ي س أ ل ع ن ه ع ا ب ر ا ا ل ق ا ر ا ت .
كانت صمر تتحدى القدر وتكتب لتشعر
بفائدة مادتها الرمادية وعندما تمرر
المشط في شعرها تتذكر دائما جملة
صديقها فارس الذي لم يشفى من
عشق الوطن المنهوب، نحن «جيل
البلوط نسبة للرصاص الطائش الذي
كان يمكن أن ينال منك في اي لحظة،
كنت تخرج منبيتك وانت تعلم انه يمكن
أن تعود في المساء اليه في أكفان،
قلوبنا اصبحت كطيفال لم يعد شيء
يعلق بها لا حب ولا حزن ولاحتى فرح.
كيف لمن نجت بأعجوبة من زمن الموت
والعهر ان تؤمن بالحب. كانت تعيشه في
الشعر والادب لانه مكانه الطبيعي في
نظرها. وهو أؤمن مكان يمكن أن تكذب
ف ي ه ب ص د ق .
إلى أن كتب ذاتيوم ذاك الغريب : لقد
كان إنتظارك طويا لو تدرين؟ أنا اكتب
على نور الشمع او الفوانيس لك قبل أن
تولدين وبعد الولادة انت قدري شئت ام
أبيت.
إعتقدت أنه مجنون آخر من مجانين
الفايسبوك الذين اصابتهم لعنتها وراحو
يطلقون العنان لحرية لا يعرفونها في
واقعهم المفتقر للحب.
كتب صاحب الفوانيس: أنت أميرتي،
اعشقك، أحبك. هكذا لقبته لفترة لانه
كان يبعث بصور الفوانيس التي يوقدها
في غيابها ويشفي الغياب بالكتابة.
كانت طقوسه في الحب تبدأ بإشعال
الانوار الخافتة، كأنه يستحضر روحه
ل ت ل ت ق ي ب ر و ح ه ا .
فكرت وردت: لدي مجانين كثر، هل انت
دائما كالثور الاسباني تدخل الكوريدا
دون سابق إنذار.
كانت ستضيف لن تطيقصبرا على آلهة
التمرد التي اعبدها لكنها صمتت لأنها
تعرف ان الصمت بذخ لا يقدر عليه إلا
اكبر المجانين.
قال : لست الثور انا آخر الفرسان وأنت
اميرتي. وآلهة التمرد التي تتحدثين عنها
تلبسني احيانا كلما نزلت من محراب
الخطيب وذهبت لاذخن شيشة في أخر
ا ل ش ا ر ع .
قالت: لقد وصلني مقالك لكني لم أقراه
للتو ساحاول ان أقراه في الظهيرة، وسط
زحمة عملي لم أتمكن من ذلك سأتصل
بك لاحقا. واقفلت السماعة وهي تقول
ت ب ا لأ ل ف ة ص و ت ه .
لما إتصلت به للمرة الثانية كان صوته
ياتي من رواية أليف شفق «قواعد
العشق الاربع والأربعين » نبرة من زمن
الأندلس، من اقواس قصور قرطبة، من
أشجار البرتقال والليمون المتعرجة في
حدائق الانس، كان يحولها لبرهة إلى
ولادة بنت المستكفي. كانت تحتسي في
رفقة صوته شراب الورد الذي إستقبلت
ب ه ل ب ن ى ا ب ن ر ش د ف ي م ك ت ب ت ه ا .
قال: عشقي لك صوفي ، ضحكت وقالت
: كفاك كذبا ،عشق الروح لا علاقة له
بالجسد وانت دوخك سحري، انت لا
تدرك خطورة مغامرتك ايها الفارس لا
تتحدى سواد عيوني فأنت مقتول مفتون
لا محالة.
قال: اذا كان هذا يكفيك سأكون
شهيدهما انت روحي التى بحثت عنها
منذ الولادة. لماذا تعاكسين القدر؟
قالت له :لقد ابدع كثيرون قبلك في
التغزل بمفاتني لكن أعترف انه لم يسبق
ان عشقني صوفي.
اومأ بعد صمت : ديني المحبة والحب
أجمل الطرق إلى الله. وانا احبك وعندك
الدليل فانت لم تأتي من عدم، انت من
ش ع ل ة ن و ر .
كانت إجاباته على مقاسات دهشتها. اول
مرة عاشق يدخل الله في معادلة الحب،
وأضاف: انا لا أتكلم عن ذلك الجسد
الذي يلهث عشاقك نحوه فذاك للفناء،
أنا عاشق لنور روحك التي أرى نورها
يسحبني. أنت نورقبل وبعد الموت،
وحتى لو رفضتني في الحياة الدنيا
سألقاك عنده في الجنة.
قالت ساخرة :من اي جامع او محراب
اخرجتك ايها الشيخ الزنديق؟ اليوم
الزندقة تمارس على النات وفي
ك ل م ك ا ن ح ت ى ف ي ا ق د س ا لأ م ا ك ن
ضحك الشيخ الزنذيق ، وقال إذا كان الحب
زنذقة في قاموسك فأنا زنذيق اقبل ان
اتتلمذ على مفاتن روحك لاني تواق إليها.
من يومها وصمر تستيقظ لتحدث المرآة
عن عشق زنديقها. ولم تعد تدري
من يدوخ الآخر، كيف لغريب من زمن
الأندلس أن يتلف بوصلة تفكيرها.
عجت غرفة نومها بمنبه الموبايل قرب
تختها وفتحت عيناها ببطأ فإذا بها
تطرد النوم من أجفانها وقامت تبحث
عن ورقة وقلم لان حلم العاشق الزنذيق
يمكن أن يعجب قراءها. وضعت كبسولة
القهوة في آله النسيبرسو وعصرت
جرعتين او ثاث لتوقظ مارد الكتابة
ليكتب شيء عن عشق الروح وعن ذلك
ال ش ي خ ا ل ز ن ذ ي ق ا ل ذ ي ي ط ا ر د أ ح لا م ه ا .
العاشق الزنديق
(Visited 10 times, 1 visits today)