وهم المعرفة / د. عادل جعفر

وهم المعرفة / د. عادل جعفر

د. عادل جعفر

لا يفلت احد من وهم المعرفة مهما كانت درجته العلميه استشاري كان او بروفيسور او عالم حاصل على النوبل و ذلك لان دماغنا نحن البشر لم يتعلم الحياديه و يميل في احسن احواله للأنحياز ، و هذه مشكلة حقيقية تواجه الإنسان، الذي يدعي معرفة كل شيء.

علينا ان ندرك ان هناك أشياء نعرفها، وأشياء نعرف أننا نعرفها.
و هناك معارف معروفة.
و هناك أشياء نعرفها وأشياء لا نعرف أننا لا نعرفها.
و هناك أشياء لا نعرفها ونعرف أننا لا نعرفها.
و هناك أشياء لا نعرفها ولا نعرف أننا لا نعرفها.
لذا، فما مقدار معرفتنا عن مقدار معرفتنا؟!
هذه ليست ألغاز وإنما انعكاس للحقائق!

أن الاصابة بوهم المعرفة تتفاوت شدتها من شخص لآخر. و عندما اتكلم عن وهم المعرفة لا ابد ان اشير لما قاله ستيفن هوكنج و هو يفرق بين الجهل و وهم المعرفة
اذ قال (أعظم عدو للمعرفة ليس الجهل، وإنما وهم المعرفة) .

لهذا علينا اولا ان نفرق بين الجهل و وهم المعرفة…

فالجهل نوعان: منه البسيط و هو جهل سلبي و منه المركب و هو جهل ايجابي.

فتحت عنوان الجهل البسيط ،يجهل الإنسان علماً ما ولكنه يعرف بأنه جاهل به ، و طبعا لا يخلو انسان في هذا الوجود من هذا الجهل مهما بلغ من العلم مبلغا لأن حياة الإنسان أقصر من أن يستطيع الإطلاع على كل العلوم!!!
و عندما يجهل الانسان انه جاهل فقد وقع في فخ
الجهل المركب و يقال ان علاج هذا الجهل بالتدريب على اثبات المعادلات الرياضية حتى يصحو دماغه ويتحول جهله من السلبي إلى الإيجابي – أي الجهل البسيط .
و ينقسم وهم المعرفة كذلك إلى قسمين :
فأما يعتقد الإنسان أنه يعرف أكثر من معرفته الحقيقية
او يشتبه بين الإطلاع والمعرفة
‏ ( Familiarity vs Knowledge)
وهذا عادة يكون واضحاً بالنسبة لطلاب المدارس وخصوصا في الرياضيات فيظن الطالب أنه عرف المادة بينما هو فقط فهم الفكرة بشكلها العام، وعند البدء في حل المسائل تبدو عليه الحيرة ويقع في الأخطاء .

اهم فرق بين الجهل المركب و وهم المعرفة ، هو ان الجهل المركب يضر صاحبه ، بينما وهم المعرفة يضر صاحبه ومن هم ضمن دائرته، و من هنا تكمن خطورته!!!

ولتوضيح المعنى فقد قرأت هذا المثال الذي يفترض انه لو طلبنا من ثلاثة أشخاص ( جاهل بسيط وجاهل مركب ونصف متعلم) أن يقودوا طائرة ، فالجاهل البسيط سوف يعترف مباشرة بعدم مقدرته ، والجاهل المركب قد يحاول ولكن سرعان ما يدرك عدم مقدرته، وأما نصف المتعلم والذي اطلع فقط على كيفية الإقلاع سوف يقلع بالطائرة ولكن لن ينتبه أنه لم يطلع على كيفية الهبوط ولا كيفية التعامل مع تقلبات الأحوال الجوية فتحدث الكارثة .

وهم المعرفة يُصاب به المتعلمون والأخصائيون من أطباء ومهندسين ورياضيين وسياسيين ومحامين وغيرهم ، فقد أثبتت التجارب العديدة في علم النفس هذا الجانب بشكل قاطع ، فالطبيب يعتقد أنه يعلم أكثر مما بالفعل يعلمه , ولاعب الشطرنج يقدر مهارته أكثر من المهارة الحقيقية التي يملكها , ومدرس الشريعة قد يعتقد أنه يفهم في الدين أكثر من الواقع الحقيقي للفهم .

ان درجات وهم المعرفة متفاوته ويبدأ مع بداية الإنسان في الإطلاع على العلوم ويزداد الوهم كلما زاد اطلاعه إلى أن يبلغ الأمر ذروته , ومع مواصلة التعلم يبدأ الفرد الإدراك الحقيقي لقيمة معارفه حتى يصل إلى تقييم متقارب بين معرفته الحقيقية وتقيـيمه لنفسه.
في عصرنا الحالي ساهمت التكنولوجيا مثل الشبكة العنكبوتية و الفضائيات ومواقع التواصل المتعددة في انتشار وهم المعرفة واعتقد الناس أنهم يعرفون الكثير من العلوم وبمستوى يؤهلهم في الحديث عنها ، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية . فكم من مريض او اقارب مريض اعتقدوا انهم يملكون معلومات كافية عن المرض و عن علاجه !!!

هولاء بحاجة الى مراجعة ذاتية، فعليهم ان يدركوا اولاً مشكلة وهم المعرفه التي وقعوا في فخها و أنهم عديمي الخبرة و التجربه و قليلي العلم في عالم الطب الواسع!!
و عليهم ان يبدؤا في استكشاف بحر الجهل لديهم لان ما يقوموا به هو الخطأ القاتل الذي يجعلهم يتصرفون و كأنهم يملكون كل مفاتيح المعرفة التي لا يملكها احد ، و عليهم أن يعلموا ان بحر الجهل شاق وصعب و من السهل الغرق فيه لانه يخلو من الشواطئ الآمنة !.
د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي

(Visited 195 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *