ثقة المجتمع بنفسه

ثقة المجتمع بنفسه

محمد عبد الجبار الشبوط

 

“إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”.
تتوقف ارادة الله في تغيير المجتمعات على ما يقوم به المجتمع نفسه من تغيير ذاته. فالله يغير “ما بقوم” استنادا الى ما يحققه القوم من تغيير “ما بانفسهم”. الاول هو تغيير البنى الفوقية للمجتمع بما في ذلك النظام السياسي، والثاني هو تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع وهو يشمل افكار المجتمع وتصوراته المستقبلية مع ارادته وتصميمه على تغيير الواقع المعاش وتحقيق تلك التصورات المستقبلية البديلة. بامكان القاريء ان يستبدل كلمة الله باي كلمة اخرى توافق طبيعة ايمانه مثل التاريخ او الطبيعة او غير ذلك، لان النتيجة واحدة وهي ان تغيير البنى الفوقية للمجتمع متوقف على تغيير البنى التحتية له. وتدل الخبرة التاريخية وخاصة تلك المستخلصة من الثورات الكبرى في العصر الحديث كالثورة الانجليزية والاميركية والفرنسية والروسية والصينية والايرانية على ان النخب الحضارية/ الفكرية هي التي تبدأ خطوة الشروع الاولى في التغيير الاجتماعي، وتنشر تصوراتها على شكل نظريات ورؤى (لوك، روسو، مونتسكيو، كارل ماركس، لينين، الامام الخميني، وغيرهم)، ثم ماتلبث ان تتبنى الجماهير هذه الافكار والنظريات فتتحول بها الى قوة مادية تحرك التاريخ، كما قال ماو تسي تونغ. وتلعب الشروط الموضوعية دورا كبيرا في نجاح هذه التحولات التاريخية التي تقودها النخب الحضارية. لكن لا يمكن اغفال العوامل الذاتية في تحقيق التحولات التاريخية. وتأتي الثقة بالنفس في مقدمة هذه العوامل الذاتية.
تدل كل التحولات التاريخية على ان الفاعلين التاريخيين كانوا يتحلون، اضافة الى صفات اخرى كثيرة، بصفة التقدير العالي للذات، والثقة الكبيرة بقدرتها على التغيير. ولهذا وجدنا القران الكريم كثيرا ما يثني على المسلمين الاوائل الذين امنوا بالرسول محمد (ص) وذلك من اجل زرع بذور الثقة العالية بانفسهم. وهذا ما نجده على سبيل المثال في الايات القرانية التالية: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”، وقوله:”وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا”، وقوله:”مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”. ولا شك فان هذه الاشارات المهمة زرعت في نفوس المسلمين الأوائل الثقة العالية بانفسهم وبعقيدتهم وبقيادتهم وبقدرتهم على العمل الامر الذي مكنهم من نشر الاسلام في وقت قياسي.
وكذلك فعل الاوروبيون لانفسهم وهم يستعدون للخروج من العصور المظلمة والنظام الاقطاعي القديم فانبرى مفكروهم يزرعون روح العظمة في نفوسهم او ما سمي بالمركزية الاوروبية التي صورت لهم ان الاوروبيين هم اكثر شعوب الارض تهذبا والاكثر تمدنا والاحسن صنعا الخ. وكان لهذه النظرة الى الذات دورها الكبير في التوسع الاوروبي اثناء حركة الاستعمار على حساب شعوب الارض الاخرى.
مرور سريع على تعليقات الناس في مواقع التواصل الاجتماعي يكشف لنا ان شريحة كبيرة من العراقيين تشعر باليأس من كل شيء وعدم الثقة بكل شيء. ويمكن للباحث ان يعثر على اسباب موضوعية قد تفسر هذه الحالة، لكن الخطر يكمن في تبرير الحالة والاستسلام لها والقبول بها، لان هذا سوف يؤدي الى تعميق عدم الثقة بالنفس وعدم الثقة بامكانية التغيير نحو الافضل واليأس من كل شيء.

(Visited 11 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *