بقلم المهندس: حيدر عبدالجبار البطاط
فقدت الحياة كل مقوماتها ولذيذ عيشها.. عندما ضاع الشرف وفقدت المبادئ وماتت الفضيلة!!؟
عندما أصبح القتل شجاعة والرشوة مباح والكذب طريقة للحياة والعمالة للأجنبي شطارة والسرقة رجولة!!
في زمن أصبح الكذب فيه هو اللغة الرسمية والخيانة واقعية!!؟
كيف لك أن تكون وطنياً في بلدٍ ممزق يعج باللصوص والمجرمين و الخونة؟؟!
فالوطنية الحقيقية لا تنمو لتثمر أمنا واستقرارا ورخاء إلا إذا تنفست نسائم الحرية وكانت عامرة بالأحرار والشرفاء في ظل الديمقراطية الحقيقية والحكم الرشيد!!
ان الطغاة لا يصنعون مواطنين ولا أناساً وطنيين بل يصنعون منافقين وكذابين و مُرائين!!
أصبح النفاق ديدن الكثيرين من الناس وأصبح الكذب والتمثيل والفبركة والتظاهر بالوطنية شعار المرحلة!!
ان الكثيرين من لاعقي أحذية الأنظمة السابقة ظلوا ملتزمين بممارسة النفاق للأنظمة اللاحقة رغم أن غالبية ابناء البلد في الداخل و الخارج حطموا جدار الصمت ودفعوا ثمناً غالياً
لقد نجح الفاسدون في قطع الالسن وتمزيق الشرايين وتحويل ارض الوطن إلى مزرعة لهم و لأتباعهم
نصبوا انفسهم أسيادا وجعلوا فقراء الوطن عبيدا لهم… باعوا الوطن بثمن بخس ووقفوا بكل وقاحة يتحدثون عن الوطنية وكأنهم أهل الدار بعد أن خربوها و عاثوا فيها الفساد وملئوها بما يملكون من قاذورات
ان الناس باتوا أسرى هزائمهم في حروبهم اليومية ضد همومهم الحياتية.. فالمواطن محدوب الظهر من أحمال ثقيلة ألقت بها الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة على ظهره بحجة الأزمات الاقتصادية التي كان لهم اليد الطولى في وجودها و لم يجدوا طريقة لستر عجزها إلا برفع الأسعار
لقد فقد الشعب القدرة على أن يذهب بأحلامه أبعد من السلع التموينية والماء الشحيح رغم تلوثه أو البحث عن فرصة عمل كريمة
أنا اليوم لم أرى في الوطن إلا أبطالاً في قبور ولصوصاً في قصور وأغنياء على ذل الفقراء يغتنون وحكاماً على جثث الناس يرقصون ونواباً لا يتغيرون ووزراءَ في مواضيع الإنشاء يتنافسون
تم تدمير الشعب بالجهل والتخلف حتى يستمرون في مناصبهم وقاموا بتكييف العلوم وبلورتها بما يتناسب مع أيدولوجياتهم
شكلوا الشعب بقالب معين وقاموا بتدجينهُ وفق أيدلوجية معينة أوهموا الشعب بعدو أسطوري لا وجود له واستغلوا الدين لتثبيت حكمهم.. نشروا الرذيلة في المجتمع ودمروا العلم و التعليم و التربيه.. حرصوا على تفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً
بت لا أعرف إلا وطن بلا كهرباء وبلا مياه وبلا كرامة!
الأخبار طقس لاهب والأعلام هرج ومرج.. فن بلا معنى و لا مغزى وفاسدين يكرمون وسراق اعلى المناصب يرتقون والشرفاء يحاربون والعلماء يهجرون وشجعان يُغتالون !!؟
عرفنا شهداء وشجون وأحزان..!
رأيت وهماً صدّقناه أسموه حرية.. رأيت شعارات جديدة وهتافات جديدة بألوان قاتمة وبهزائم متكررة
رأيت مدارس لا تدرّس وجامعات لا تجمع ومستشفيات بلا شفاء وأبناءَ وطن يَنهش بعضُهم بعضاً.. رأيت الإنسان يرخص ويعلو كل شيء عداه.. رأيت انسان يموت فيُنسى أسرع من الموت … ؟؟!
ايها الوطن الحبيب.. لقد ذبحوك من الوريد إلى الوريد.. لقد جففوا ينابيعك بحقدهم وحرقوا حقولك بشرورهم.. مصّوا دمك وأكلوا لحمك وشحمك ولم يبقوا لك إلا الجلد والعظم ؟؟!
باسم الله قتلوك … باسم الحب خانوك … باعوا ترابك وهواءك وماءك وكبرياءك ومع ذلك يصفقون لك وينشدون عاش الوطن !!!؟
جيوبهم مع الوطن وسيوفهم عليه..
كيف لنا أن نعبر عن املنا في الغد المتمثل في الشباب الممتلئين حياة وغيرة ونشاط وشجاعة وعطاءا ونراهم اليوم يموتون بلا مقاتلة ولا مناضلة بسبب البطالة والمحسوبية وإغلاق كل الأبواب في وجوههم.. امتص منهم الحق في الحياة حتى تركهم جثثا حية وهم في ريعان الشباب والقوة والحيوية بعد أن تعذر عليهم العمل والزواج والحب وحرموا حتى من حقهم في الحلم بهذه الحقوق البسيطة !!؟
الكل سماسرة يبحثون عن مصالحهم وأخر ما يفكرون به وأخر ما يتذكرون هو أنت ايها الوطن المكسور.. كم من جراح أنت تحتمل وكم من آسى يبيت فيك ويعزف أنشودة الأمل الضائع ويصيح فيك دون انقطاع.. اختلطت كل الخيوط فلا أحد أصبح يعرف على وجه التحديد تعريفاً لهذا المآزق الذي انت فيه!!؟
أهو الكبت السياسي فقط أم الغضب المكتوم أم الفساد والبطالة أم افتراء المفتري أم الفقر والعذاب ام المرض أم هو الحرمان و القسوة والظلم أم هو كل هذه المتناقضات في خليط مبتكر عجيب يجسد ما آلت إليه الشخصية الوطنية من الكراهية المستترة و اليأس و الرضوخ والتمرد و الضعف والقوة؟!
ها أنا أنعي إليكم الوطن الذبيح
و أرجوكم أن تزرعوا درب المقبرة بالورد والياسمين فالوطن لم يعد له وجود بين الأحياء.. سامحونا إن صرخنا ورفضنا كل شيء وكسرنا كل قيد فحب الوطن لعنة تطاردنا.