عندما وضع المرشد الايراني آية الله علي
الخامنئي مقاسات لطاولة المفاوضات
المحتملة مع الولايات المتحدة فإنه في
حقيقة الأمر رسم إطارا جديدا للمصالح
الأمنية القومية في المنطقة كما تراها
طهران .
المرشد الايراني في كلمته المتلفزة في
8 يناير الجاري ، أشار الى ثوابت تٌستخدم
على طاولة المفاوضات ، لكنها كانت
رسائل متعددة الإتجاهات .
ماقاله في هذه الثوابت : إن ايران لا يمكن
لها ان تترك اصدقاءها في المنطقة دون
دعم ، وهي لا تريد إضعافهم من اي جهة
كانت ؛ وذكر منهم سوريا والعراق دون أن
يشير الى بقية هؤلاء الاصدقاء المعروفين
لدى جميع المهتمين بالشان الايراني
والاقليمي .
الامر الثاني : ان ايران لا يمكن لها التخلي
عن قوتها العسكرية وتحديدا الصاروخية
التي اعتبرها قوة ردع لا يمكن الاستغناء
عنها في ظل تسلح اقليمي وتوتر عسكري
غير مسبوق يشهده الاقليم .
الامر الثالث ؛ ان ايران غير مستعجلة لعودة
الولايات المتحدة لطاولة 5+ 1 ، لكنه قال :
ان اي عودة تستلزم إلغاء كافة العقوبات
وجعل هذا الإلغاء « اولا » . و إن عدتم : عدنا
. بمعنى إزالة كافة العقوبات التي فرضت
بعد العام 2017 مقابل العودة عن خطوات
التصعيد والرجوع الى ما قبل عام 2017
والذي يشمل النسبة المرتفعة لتخصيب
اليورانيوم .
واضح ان السيد الخامنئي اراد وضع مقاسات
الطاولة امام الحكومة الايرانية والادارة
الامريكية الجديدة ؛ لكن الأهم في ذلك
هو حدود وثوابت الأمن الاقليمي الذي
اراد تحديده وهو ما يرتبط بدول الاقليم
التي إن شاءت ضبط اوقاتها على الساعة
الايرانية .
الان ؛ ايران تفكر بصوت مرتفع وتقول انها
لن تتخلى عن اصدقائها . لا اريد ان اقيّم
صوابية التصور من عدمه وانما هذا الواقع
الذي ترسمه ايران للامن الاقليمي بمعنى
انها لا تريد الانكفاء الى داخل حدودها .
ومثلما كان للولايات المتحدة اصدقاء وحلفاء
في المنطقة ؛ فانها كذلك لديها اصدقاء
وحلفاء ليس في نيتها التخلي عنهم ولا
تسمح المساس بهم ولا بأمنهم الوطني .
في القاموس السياسي الايراني ؛ العام
2021 يختلف عن العام 2015 تماما كما
قالت كبيرة المفاوضين الامريكيين وندي
شيرمان في عهد الرئيس الاسبق باراك
اوباما والمعينة حديثا نائبا لوزير خارجية
الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن ؛
وبالتالي فإن مقاسات الطاولة تختلف عن
تلك التي كانت في العام 2015 . ويبدو
ان جميع الاطراف المعنية بالملف الايراني
تعتقد مثل هذا الاعتقاد وليس ايران
والولايات المتحدة فحسب .
اما العقوبات – كما تقول طهران – فانها
انسحبت على كافة المرافق واصبحت – با
طعمة – على قول اللبنانيين ؛ ولذلك فان
ايران تعايشت معها الى حد بعيد وهي
تريد تنظيم ساعتها الاقتصادية على
توقيت العقوبات ؛ فضا عن اعتقادها ان
مرحلة ما بعد كورونا يختلف عما قبلها
اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ؛ اضافة الى ان
امريكا ما بعد الرئيس ترامب تختلف عما
قبله.
تبقى دول الاقليم ماذا تريد ان تفعل في
المرحلة المقبلة ، وهي التي تملك بحق
تصورات وثوابت ورؤى واضحة ومعينة ؟
في الواقعية السياسية ؛ امام هذه الدول
مقاربتان : الاولى ؛ الانتظار لما تضفي
عليه المفاوضات الايرانية الغربية وعندها
ترى اين هي من هذه المفاوضات كما
فعلت في مفاوضات 2015 . بمعنى تخويل
الاخرين التفكير وكفى الله المؤمنين القتال.
اما المقاربة الثانية ؛ الدخول في مفاوضات
مباشرة مع ايران لوضع « خارطة طريق »
على قاعدة الحد الادنى من المشتركات
والتفاهمات من اجل ضمان الامن
والاستقرار للمنطقة بأكملها .
لا اعتقد ان الجانبين الامريكي والايراني
يسمحان مشاركة اي من الدول الاقليمية
في المفاوضات المحتملة القادمة لان ايران
تقول انها لا تريد مناقشة قضايا الاقليم
مع الجانب الغربي حتى يكون هناك تواجد
اقليمي معني بهذه المفاوضات ؛ كما ان
الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن قال
انه بحاجة الى دور اوروبي مع الصين
وروسيا ولم يذكر أيا من الدول الاقليمية .
يؤسفني عندما احاور الخليجيين يذكرون
المثل « أسمع كلامك أصدقك أشوف
أفعالك أتعجب » وكأنني ادعوهم الى حوار
مع طرف تتطابق معه الرؤى والافكار
والمصالح والاهداف والنتائج . انا ادعو
للحوار مع طرف تختلفون معه بكل شيء
؛ وبالتالي من الطبيعي جدا ان تكون
هناك خلافات ، ولا يمكنني ان افكر بغير
ذلك ؛ وهنا تكمن الحاجة الملحة للحوار
والمفاوضات من اجل الوصول الى الحد
الادنى من المشتركات والتوافقات في ظل
تدافع سياسي وأمني وصل الى ذروته دون
رؤية اي ضوء في آخر النفق .
اعتقد ان الجانبين يمتلكان تصورات مختلفة
للامن القومي والامن الاقليمي على ضوء
فراغ المنطقة من نظام امني بعد انهيار
الحرب الباردة ؛ ولذلك تاتي اهمية الجلوس
الى طاولة المفاوضات من اجل حل هذه
العقدة المستعصية قبل ان يحلها الاخرون
على مقاساتهم.
U2saleh@gmail.com
مآلات الأمن الإقليمي
(Visited 4 times, 1 visits today)