علاء الخطيب
الشعارات ثقافة اللحظة العاطفية التي تبنى على الحماسة والشحن النفسي ، يستفاد منها في الأجواءالثورية ، فهي لا تغني ولا تسمن من جوع اذا أفرغت من محتواها واستغلت من اجل الاستمطاء ، وان كانتتؤدي غرضا تعبويا مرحلياً ، لكن الخطير في هذه الظاهرة اذا تحولت الى ثقافة مستدامة حينها تكونظاهرة تستحق الدراسة والنقد .
والأخطر ما فيها هو ان تتحول الى محرك للهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح, فيولد من رحمها الدكتاتوريات وينبت الاستبداد ويتحول المجتمع الى قطيع يُحرك بالاتجاه الذي يريدهالانتهازيون وزعماء المافيات .
وللشعارات تأثير كبير في مسيرة الشعوب ففي الصين وفِي الحقبة الماوية على وجه التحديد كانللشعارات أثرها في تكوين العقلية الدكتاتورية التي روجتها الشعارات وبالتالي كانت الثقافة الصينيةاسيرة هذا المنحى الشعاراتي ، ولم تتمكن الصين من النهوض الا بعد ان غادرت هذه الثقافة في تحول مثير في مسار العقل السياسي الصيني ، وكذا الحال في كوبا والاتحاد السوفيتي وفيتنام وكوريا الشماليةوالأنظمة العربية الشمولية ، هذه الأنظمة التي لم تخلف سوى شعوب مسلوبة الإرادة ومحبطة نفسيا ً .
ولابد من الإشارة الى ان توظيف الشعار ايديلوجياً وتكريسه نفسيا يلغي اي إمكانية للصحة النفسيةويجعل العقل في غيبوبة تامة سواء على المستوى الفردي او على مستوى العقل الجمعي ، مما يجعلالمجتمع يفكر بطريقة واحدة وباتجاه واحد، وهذا له تأثير في صناعة الإدراك والصور الذهنية المتكونة لدىالأفراد ، مما يعدم مساحة حرية التفكير ، وغالباً ما تستخدم الأنظمة الأيديولوجية هذه الطريقة في تجييشالشارع وتوجيهه بالطريقة التي تلائم النظرية المطروحة ، لذا يعمد مروجو الشعارات الى صياغتها بإتقانلغوي يتمتع بسحر نفسي مؤثر.
لقد مرت اوربا بفترة شعاراتية لم تجني منها سوى الخراب والدمار والحروب كالحرب العالمية الاولىوالثانية التي أنتجت موسوليني وهتلر ونيرون وغيرهم من الجبابرة بفعل الشعارات القومية .
الثقافة الشعاراتية هي حالة من الهوس والهستيريا فهي على النقيض من العقلانية . لذا يمكن ان نخرجالملايين الى الشارع ونؤثر عليهم من خلال العاطفة ولكن لا نستطيع ان نقنع هؤلاء للسير في طريق البناءوالإعمار واحترام القانون، ولعلنا نرى ذلك بجلاء في الشعاراتية الدينية التي استخدمها و يستخدمهارجال الدين سابقا ولاحقا وخير مثال على ذلك الحروب الصليبية وكل الحروب ( المقدسة) التي تلتها .
لقد غادرت الشعوب المتحضرة والحره هذه الثقافة وبقينا نحن متمسكون بها ، لذا ما نراه اليوم منفوضى واستباحة للدماء هو نتاج طبيعي للثقافة الشعاراتية التي تجتاح مجتمعاتنا وعلى وجهالخصوص المجتمعات الاسلامية التي تتحرك في اجواء العاطفة تاركةً العقل يغط في نومه العميق .
والعراق هو مثال صارخ على استشراء الشعاراتية في مفرداته اليومية والتي اعتبرناها زاداً يومياً يعتاشعليه زعماء المافيات السياسية ، فبرغم حجم الفساد الذي يكتنف الدولة جراء السياسات الخاطئة لكننا لمنميز بين الطالح والصالح ، فيتحول عندنا الحليف الى عدو بين ليلة وضحاها كما يتحول العدو الى صديقبين ليلةٍ وضحاها جراء شعار اطلق هنا او هناك .