مظفريات  29  جوع .. وثلاثة انهار

مظفريات 29 جوع .. وثلاثة انهار

محمد السيد محسن
—–
يقول مظفر عن علاقته في العراق انه : فهم العراق اكثر وهو في الخارج , وانه لم يضع في الغربة بل ان الذين ابعدوه عن العراق هم من يعانون من الضياع , ولكي يجدوا ننفسهم تراهم يقتلون ويبدعون في تعذيب العراقيين , هذا ما تحدث فيه مظفر عام 1989 في لقاء مع التلفزيون الرسمي السوري , وهذا التعبير يشير الى انه يحتاج الى العراق بشكل دائم ليشحذ منه القوة والصمود , حيث ان المغترب يتقوى بالذاكرة والحنين.
لذلك تجد مظفر النواب دائما ما يعرج على ذكر العراق او مناطقه , حتى حين يتم تأسيس قصيدة لرثاء احد المناضلين , من غير العراقيين , وكل ابطال قصائد مظفر من المتوفين والمغادرين للحياة.
في قصيدة “قراءة في دفتر المطر” يرثي مظفر احد اصدقائه الذي استشهد في منطقة الشياح , وهي احدى المناطق المتاخمة لجنوب مدينة بيروت , وقد اشتهرت قبل ايام باندلاع مواجهة بالرصاص لم يعرف طرفاها بعد , حين استهدف متظاهرون رافضون لتعيين طارق البيطار كقاض للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
الشياح من المناطق التي شهدت مواجهات سابقة بين الفصائل اللبنانية , واحدى تلك المواجهات استشهد فيها صديق لمظفر النواب , لم نعرف عنه الكثير , وكل ما ذكره عنه ان اسمه “أحمد” , وكتب القصيدة له , ربما لم يرثه , ومن الممكن ومن سياق القصيدة , تجد النواب يبرر لجوءه للملهى والخمارة والبغايا , ليستبدلها بمواخير القرارات القيادية الفلسطينية والعربية , والبذاءة التي اوقعه فيها قادة النضال الذي كان يعد نفسه جزء منه.
نعم خذلوه حين وضعوا يدهم بيد الصهاينة بكل ذل , فيما بقي المناضلون يقاتلون , ويحلمون بموعد الشهادة لاعادة الحق العربي المضيع.
قصيدة “قراءة في دفتر المطر ” يتحدث فيها مظفر عن احداث الشياح , كذكرى لصديقه احمد , ويستذكر بحيف واضح موقف القيادة الفلسطينية بقبولها الجلوس مع الكيان الصهيوني وعقد اتفاقات سلام , تاركين المناضلين وراءهم.
—-
وأخيرا
صافح قادتنا الأعداء ونحن نحارب
ورأيناهم ناموا في الجيش الاخر والجيش يحارب
الان سابحث عن مبغى
أستأجر زورق لليل
فالليل مع الجيش المهزوم طويل
—–
ومع كل خذلان يتعرض له مظفر النواب يلجأ الى ذاكرته في العراق ليستمد منها العشق الاول , والبراءة التي تذلل له مصاعب الخذلان والتواطؤ مع العدو من قبل رفاق اليوم , ورفاق الامس , حيث ان المناضلين لم ينفكوا يتواصلون مع المناضلين وشتان بين الفريقين , الاول وضع يده بيد الصهاينة بالذل والثاني ما زال يختبئ وراء سلاحه , ويأبى ان يصدق ان قادته خذلوه.
يذهب مظفر الى العشار في البصرة , ويتجول في الكوفة , وهو يذكر صديقه في الشياح اللبنانية :

فأنا مكتوب في الأرز
وفي العسل الأخضر
في التين
وأنا أطعم بالسكر نخلات الكوفة
والأطفال على رابع جسر ” العشار ”
أنا لا أملك بيتاً أنزع فيه تعبي
لكني كالبرق أبشر بالأرض
وأبشر أن الأمطار ستأتي
وستغسل من لوحتنا كل وجوه المهزومين
وستغسل بالمطر الدافئ جنح النورس
وبيوت أحبتنا
والحرف الأول من لغتي
يا زهرة بيتي
يا وطني
أمطرني حزن بلادي
أمطر فوق الماء
—–
ولا شك انه يعيش الغربة بكل نوافذها المشرعة بوجه الشاعر , فمظفر النواب قال عن نفسه في يوم من الايام انه يتواجد اينما تتواجد الثورة , والثوار , حيث ذهب الى اريتيريا للقتال مع ثوارها , وتواجد في ظفار , ودخل سرا الى العراق لمدة ثلاثة اشهر ليلتحق بثوار الكفاح المسلح الشيوعي في اهوار الغراف , في محافظة ذي قار , ومن ثم تواجد مع الثوار في بيروت وهم يتقاتلون في حرب لبنانية اهلية طاحنة , حيث دفعتهم اخيرا هذه الحرب لمغادرة حدود بلادهم الى تونس , لكنه بقي في لبنان الجنوب يقف مع ثوارها الذين يناضلون من اجل اخراج العدو الصهيوني الذي انسحب من بيروت ليستقر في جنوب لبنان.
لمحت في هذه القصيدة تساؤلا كنت قد قرأته عند بدر شاكر السياب الذي يصف العراق بالفقر والجوع , حين يقول :
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع

وتلك لعمري وجهة نظر يسارية يتشبث بها الشيوعيون الرافضون للحكم الملكي , في حين تأخذ القصيدة مظفر الى اجواء العشار , في محافظة البصرة , ليتساءل عن وضع يعيشه العراقيون عام 2021 , حين يتساءل :
هل يعقل ان يكون في العراق جوع وفيه ثلاثة انهار , دجلة والفرات وشط العرب؟
—-
لو كنت عرفت سلاحاً لماذا نتعاطى
لو كنت عرفت لماذا نتعاطى الصمت
وحزن الإصرار
لو كنت عرفت معسكرنا وقبور الماء وصوت الليل
ورأيت وجوه رفاقي التسعة قبل النار
لو كنت عرفت لماذا يسكن جوع في الأهوار
جوع وثلاثة أنهار
لو كنت عرفت الخجل المر على جبهة ثوري ينهار
لعرفت الثورة
لعرفت لماذا الثورة
لعرفت بأن الثائر لا ييأس من دفع الصفر بوجه الليل
لعرفت لماذا أبحث عن مبغى
لعرفت لماذا أبحث في وجه الناس
عن الإنسان
—-

 

 

(Visited 17 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *