.. شكر حاجم الصالحي
في كل مرة أزور فيها العاصمة الايرانية طهران , تستفز ذاكرتي السبعينية الاعلانات الملونة لأفلام دور العرض المنتشرة في ارجاء المدينة , وأسأل نفسي لماذا نحن في العراق أقفلنا صالات العرض وحولناها الى مخازن و محلات تجارية , وما لا أنساه مطلقاً ان مدينتي الصغيرة الحلة المزيدية كانت تزهو بسينماتها الاربع : الفرات , بابل , الجمهورية , الخيام , لكن زمن العقوبات الدولية في تسعينات القرن المنصرم , قد أحال حياتنا الى جحيم لا يطاق , فكان من بعض اثاره المدمرة إشاعة قيم التخلف والظلام وكانت ( السينما ) إحدى الاهداف المقصودة بهذا الخراب الممنهج , ولاشك ان ما جرى من تغيير دراماتيكي في 2003 م , شمل بنتائجه بؤر الاشعاع الثقافي التنويري لأسباب أقلها : إتساع وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد قنوات البث التلفزيوني وفضائياته التي حلّت بديلاً عن دور العرض ورسالتها التثقيفية والترفيهية , وتحت وطأة هذه التحولات وشيوع مفاهيم إقتصاد السوق إختفت هذه الدور من حياة الناس , وفي الحلة بالذات تحولت بناياتها الى بنايات تجارية ودكاكين صغيرة بفعل الجدوى الاقتصادية لهذه المنشآت البديلة , ولا أريد أن اسرد هنا تفاصيل الآثار الجانبية التي تركتها اجراءات التغيير الاستعمالي للعقارات التي كانت تحتضن تلك ( السينمات ) , ولم تبادر اية جهة فنية الى تعويض هذا الغياب السينمي , بتوفير صالات ــ ولو صغيرة ــ لعرض الافلام المنتقاة , وكان على نقابة الفنانين النهوض بهذه المبادرة باعتبارها جهة الاختصاص القطاعي , وكما هو الحال في الحلة كان الحال ذاته في بغداد و محافظات الوسط و الجنوب , لكن جذوة الأمل لم تخمد في النفوس وظلت متقدة الى ان حبا الرب المدينة بأحد ابنائها الاصلاء الذي بادر لإنشاء (مول) تجاري , خصص في احد طوابقه صالة عرض أنيقة تستقبل محبي السينما في عروض أسبوعية لإفلام ترتقي باهدافها الى سبل التنوير وتكريس مفاهيم الجمال و الفن الرفيع , وكانت صالة (سومر) للسينما محط أقبال ناشدي المتعة والتذوق والحياة الناهضة , وفي كل موعد للعرض لا تجد مقعداً فارغاً من شاغله , واصبح حضور الناس الى صالة سومر من طقوسهم المعتادة , ومع ان سومر لن تكون البديل عن دور العرض الجماهيرية , إلا ان الذي يأتي أفضل ممن لا يأتي , وأعود الى زياراتي الى طهران وما تركته من آثار في النفس , فأقول ان لدينا دائرة تعنى بهذا الفن اسمها ( دائرة السينما والمسرح ) ولكن ما الذي قدمته للجمهور غير بضعة افلام وثائقية و قصيرة لم يشاهدها المتعطشون لها طيلة هذه السنوات التي أعقبت التغيير , وأين هي دور العرض المخصصة لتلك المشاهدات , في الوقت الذي مازلنا ننتظر يداً حانية لإعادة اعمار مسرح الرشيد الذي خرج عن الخدمة منذ عام 2003 م , ومازال مريدوه يأملون خيراً في وزارة الثقافة التي يقودها وزير جاء اليها من رحم الابداع والثقافة , ولا أريد أن اعيد الى الاذهان ما حققه العراق في احراز مراتب متقدمة في صناعة السينما رغم غصتنا بما أُنتج من أفلام أنفق عليها الملايين من الدنانير في ( بغداد عاصمة الثقافة ) وما قيل عن أفلامها التي انتجت ولم تعرض رغم مرور كل هذه السنوات , وحالنا كمن يسمع جعجعة بلا طحين , فأتقوا الله في عشاق هذا الفن الجماهيري الأصيل وأعيدوا لهم البهجة والشعور بالأمل , وهنا لابد من ازجاء الشكر الى دائرة مول بي دي سي في الحلة التي كسرت طوق العزلة و بادرت مشكورة بانشاء صالة سومر للسينما وذلك اضعف الأيمان .. وتحية لكل العاملين المخلصين من اجل انهاض السينما واعادة دور عرضها الى الحياة الأبهى ……..
******************************************************