**شمال شرق:
*عارف العضيلة
ملئ التاريخ بمحطاته المتعددة بالملفات المغلقه التي لم تظهر ولم يطلع عليها أحد .. ولم ترويها إلا القليل الروايات الشفويه.
والتاريخ العربي يوجد به بعض الأحداث التي لم تروا وظل مسكوتاً عنها .. رغم تعدد وتنوع وسائل الإعلام في العصر الحديث ..
لعل سقوط حكم العرب عام 1964م لزنجبار ذلك الحكم الذي أمتد لأكثر من 200 عام .. أحد هذه الملفات التي سكت عنها بقصد طبعاً .. (سلطنة زنجبار) هي دولة في قارة أفريقيا لها موقع مهم وإستراتيجي من الناحية الجغرافية .. كونها تقع وسط مياه المحيط الهندي .. وهذا الموقع مصدر قوة للعرب .. ليكون هذا الجزء العربي خارج كتلة الوطن العربي الأم الممتد من المحيط إلى الخليج ..
(سلطنة زنجبار) حكمها العرب وتحديداً العمانيين. وأنتشرت القبائل والثقافة العربية .. وشهدت البلاد حالة من الاستقرار طوال الـ 200 عاماً.
وكانت السلطنة الزنجبارية في طريقها للإنضمام إلى جامعة الدول العربية لكن تمت هناك ثورة في عام 1964م وأسقطت الحكم العربي.
وحدثت عمليات تطهير عرقي وإبادة شاملة للعرب .. فمن نجا منهم من القتل و الإعتقال هرب مخلفاً كل ما يملك .. والبعض سعى للتخفي والإختباء حتى تهدأ الأمور.
قد يبدو هذا طبيعياً. لكن الشي الغير طبيعي والذي يجعلنا نطرح السؤال على غيرنا أو ونطرحه على أنفسنا .. هو لماذا سقط حكم العرب في زنجبار في تلكم الحقبة الزمنية. ؟!
ونقول تلكم الحقبة الزمنية. لأنها كانت تحمل عدة سمات للقوة العربية أهمها وجود زعماء عرب أقوياء همهم وأول أولياتهم “الأمة” يتقدمهم الزعيمان الملك فيصل والرئيس عبدالناصر وأرتفاع موجة الإعتزاز بالعروبة .. والإحساس بالفخر والتضحية من أجل العرب في نفوس الجماهير العربية فيومها لا صوت يعلوا على صوت العروبة وكرامة العرب .. وبالتالي كان للعرب صوت قوي في المجتمع الدولي.
إذا نعيد السؤال. لماذا سمح العرب بسقوط حكمهم في زنجبار؟
في قراءة للماضي والتاريخ في تلكم الحقبة نلحظ أن الساسة العرب وفي وسائل الإعلام العربية التي كانت أقواها مصر.
لم يشيروا أبداً لسقوط الحكم العربي في زنجبار. ولم يصدر أي بيان من أي دولة عربية وحتى جامعة الدول العربية لم تصدر أي بيان تجميلي يدعوا لضبط النفس أو الحفاظ على سلامة المدنيين.
ويومها لم تكن أي دولة عربية تصدر أي موقف سياسي إلا بعد أن تصدر مصر أو السعودية موقفها ..
مر هذا الحدث مرور الكرام على الساسة العرب رغم أن كان مؤلماً ومر أيضاً على الوسائل الإعلام دون الإشارة إليه ..
كان صدور موقف سياسي عربي والنشر في وسائل الإعلام يعني بإختصار تأجيج الجماهير العربية المنتشيه يومها بالعروبة للضغط على الأنظمة السياسية لعمل أي تدخل كما إن الجماهير العربية توصف يومها .. كانت سنعتبر هذا الحدث هزيمة للأنظمة العربية وخاصة ما كانت تسمى بالأنظمة التقدميه التي تتزعمها مصر. ورئيسها جمال عبدالناصر
بإختصار فإن سبب الصمت العربي الرسمي والإعلامي لما حدث بزنجبار كان بسبب التدخل المصري بثورة اليمن عام 1962م والتداعيات السياسية والعسكرية والإقتصادية التي نشأت من جراء ذلك ..
فعملية التدخل التي كان يعتقد أنها تكون سريعة وناجحة .. طال أمرها كثيراً .. وأضعفت مصر .. وزعزعت مكانة الرئيس عبدالناصر .. وأضعفت أيضاً جماهريته .. مما جعل مصر ورئيسها في موقف ضعيف للغاية بسبب طول مدة التدخل ..
وبالتأكيد كان هناك من غير العرب من يراقبون هذا المشهد بعناية فائقة ويرسمون الخطط .. لإفشال والنيل من كل ما هو عربي .. ونجحوا في العام 1964م من إسقاط دولة العرب وحكم العرب بساعات معدودات .. بسبب إنشغال مصر في اليمن ..
ولهذا كان الصمت الرسمي والإعلامي .. بل وحتى التاريخي عن هذا الحدث .. كي لا يتهم الضباط الأحرار والأنظمة التقديمية أنها كانت السبب الرئيسي لسقوط دولة العرب في زنجبار ..
وكذلك لأنهم لم يكونوا قادرين بسبب إنشغالهم في اليمن لتقديم أي دعم عسكري أو إقتصادي أو إعلامي مساند لحكام زنجبار العرب. أو على أقل تقدير لمنع التصفيات الجسدية والمطاردات التي تعرض لها العرب في زنجبار .. على يد الأفارقة .. ومن ساندهم.
مرت الأيام والأزمنة وبقى هذا الملف كم أريد له مجهولاً ومنسياً عند العرب ..
ختاماً نقول: إن التدخل المصري في اليمن لم يضعف الجبهة الداخلية المصرية ولم يضعف المؤسسة العسكرية المصرية التي كانت أقسى وأمر نتائجها هزيمة 1967م .. ولم يكن فقط سبباً في حدوث خلافات عربية .. عربية بين الدولتين العربيتين الأكبر مصر والسعودية.
بكل وكانت له تداعيات أخرى قاسية وأليمة منها سقوط دولة زنجبار العربية.
*كاتب سعودي ورئيس دار مصادر للدراسات والأبحاث الاعلامية