لاتستطيع المظاهراتٌ الشعبية مهما كان حجمُها تغيير نظام سياسي
إذا لم يقف الجيشُ الوطني معها أو في الأقل يتخّذُ موقف الحياد بينها
وبين الأجهزة الأخرى.
واية مظاهرات با دوافع محددة ولا عمل تنظيمي انما هي فورات
غضب مؤقت نتيجة الحاجة والاختناق المعيشي لاغير .
فكل المظاهرات التي خرجتْ في العصر القديم أو الحديث انما هي
شكلٌ شعبي معلنٌ لعمل حزبي أو تنظيم ما أو حركة تغيير مرحلية او
طويلة الامد .
فلو لم يرغب الجيشُ المصري باسقاط حسني مبارك لما سقط، وهكذا
مع مرسي وبن علي في تونس بغض النظر عن العوامل الدولية
البعيدة .. فالعمل الحقيقي هو التنظيم في انتخابات )حقيقية( وليست
صورية كما يحدث في الانظمة الديكتاتورية،أو مزورة تحت قعقعة
الساح كما حدث في العراق، ففي كل الاحوال لاخيار سوى التنظيم.
وعليه كَتبتُ منذ الأيام الأولى لانتفاضة تشرين، إذا لم يتبلور
الحراك الشعبيُ في المحافظات الجنوبية الى تنظيم جديد يعمل وفق
القيم المعلنة في المظاهرات فاننا سندفع من دماء أبنائنا الكثير.
وسيتورطون، إما من جهات مندسة بينهم للتخريب واتهامهم به، أو
من شباب بينهم منفعلين يذهبون الى حرف السلمية عن المظاهرات،
وتحويلها الى أعمال شغب تدفع السلطة لقمعها بساحها أو الساح
السائبِ خارج سلطتها.
أمام هذا الواقع بقي الشباب المتظاهرون في حالة من الغموض
والحيرة ، بعد انسحاب الكثير من خطوط الدائرة التي كانت محيطة
بهم، انسحب المثقفون والداعمون والاهالي الذين يوفرون قوت
التظاهر والاعتصام. فوجئوا بقسوة القمع وامتاء السجون وتعدد
الجهات التي تغتال الناشطين والناشطات وتخطف منهم وتنتهكهم دون
تدخل أو رقابة أو مساءلة أو عقاب. ولم يبق سوى السؤال.. هل نعود
الى البيوت تحوم حولنا ارواح شهدائنا ، مضرجين بدماء جرحانا ومطالبِنا
التي لم تتحقق؟ ام نبقى ضمن قوائم الذبح ؟؟ فعا مواقف مؤسفة أنْ
تضعَ الطبقةُ السياسيةُ شبابَها في هذا المثلث الخانق وكأنها تحتفل
بقتل ابنائها!!.. لا مناص إذاً من العودة الى الديمقرطية حتى وإن كانت
غير موثوق بها ومن دون تغيير جدّي في آلياتِ عملها.
عودة المظاهرين الى قرار المشاركة في الانتخابات جاء اخيراً من
الناصرية، منبع نزيفِ الثوار وصوتهم الأعلى، ولسانُ حالِها يقول : انها
كانت حاما بحزب وقد حانت ولادتي إياه، حزبٍ يضمّ شبابا وشخصيات
من وجوه تظاهرات تشرين بعد ما شبعت قمعاً وتشويهاً .. حزب متأخّر
يدخل انتخابات مبكرة ويحاول رغم اليأس من الاصلاح ان يُشعِل شمعةً
في العاصفة .
ورغم ان شباب حزب الامتداد الجديد بقيادة الناشط البارز عاء الركابي
محاطٌ هو الآخر بالتشكيك والتهوين وفتّ العِضد من القريب قبل
الغريب الا أنّ اصرار هذه النخبة الرفيعة المعرّفة لأهلها وعشائرها
على السباحة في الرمل وتحدي الامكانات الكبيرة لسد السلطة
المنيع.. يكفيهم ان يقولوا : تظاهرنا وواجهنا وقٌمِعْنا وتنظّمنا، وندخلُ
الانتخاباتِ الآن معتمدين على أصواتِ الضحايا واليائسين وهم غالبية
الشعب العراقي.
حزبٌ متأخر لانتخابات مبكرة
(Visited 4 times, 1 visits today)