كانت البداية في الصين حيث أُعلِن عن ظهور حالات التهاب ذات الرئة غير
العادية. لكن هذا حدث في عام 2002 . وكان بطل الدراما هو السارس )سارس-
كوفيد 1( الذي تسبب في حدوث أول وباء في القرن الحادي والعشرين. ورغم
أن هذا الزائر الخطير على البشرية آنذاك تسبب في معدل وفيات تصل الى
50 بالمئة في الأشخاص البالغة أعمارهم فوق 65 عاما لكنه انحسر عن مشهد
الرعب في مايو 2004 وكانت قائمة ضحاياه 774 وفاة.
ما الذي حدث وخلص العالم من كارثة وبائية يقودها فايروس لا يرحم؟
سؤال يقودنا الى سؤال اخر.
والآن ونحن نواجه فصياً آخر من فايروس الكورونا )كوفيد 19 ( تسبب في
وفاة أكثر من مليوني شخص حتى الآن، هل نأمل بنهاية مماثلة لنهاية
السارس؟. هناك اعتقاد خاطئ لتفسير نهاية وباء السارس غير المتوقعة هو
أن فايروس السارس تحور واصبح ضعيفاً وقرر الاعتزال.
وهذه الخاطرة السعيدة تداعب خيال الحالمين بالعودة الى الحياة الطبيعية
واختفاء الزائر المريب الكوفيد 19 الذي باغتنا على حين غرّة.
الحقيقة الثابتة أن السارس كمرض تسبب في ظهور أعراض خطيرة جعلت
من السهل تشخيص الوباء وعزل المصابين ومنع اختلاطهم. وهذا ما قلل
انتشار الفايروس وجعل الوباء ينحسر ويختفي بسرعة قياسية.
الكوفيد 19 قرر ان يفاجئ البشرية بنمط انتشار آخر يختلف تماماً عن أنماط
انتشار الفايروسات الأخرى، ليسجل تاريخا مختلفاً. فهو قد يصيب الإنسان ولا
تظهر أية أعراض على المُصاب وهذا أحد أسباب انتشاره الخطير.
في صيف 2020 بعد هدوء مؤقت لعاصفة الكوفيد 19 وانفراج يسير بدأت
نظرية التحور نحو سالة أضعف تكبر مرة اخرى لتصبح هاجسا.
وبدأ بعض العلماء يثيرون التفاؤل ان الكوفيد 19 سيندثر من خال تحور
معين يضعفه تماماً. التاريخ لا يكذب. الانفلونزا الإسبانية انحسرت بسبب
المناعة المجتمعية لأن الملايين من البشر كانت لهم لحظة صدام مع
الفايروس وسعيدوا الحظ منهم فقط تنفّسوا هواء العافية مرة اخرى.
وكذلك كفّت الانلفونزا عن حصد أرواح ضحاياها لأن معظم الناس تولدت
لديهم أجسام مضادة في فترة من فترات حياتهم.
التاريخ العلمي يخبرنا ان الكوفيد 19 لن يختفي من خال تحوره بل على
العكس، فهو يتحور ليصبح اكثر انتشاراً وربما أكثر فتكاً. هو يلعب مع البشرية
الضعيفة إزاءه مستخدماً التسلسل الجيني فيضيف قطعة هناك ويخفي أخرى.
إنه فايروس يحب العالمية ويريد أن يصبح محلياً أيضاً، فلدينا الآن سالة
بريطانيا وسالة جنوب افريقيا والبرازيل وكاليفورنيا. فايروس يريد تشكيل
امبراطورية الخوف وكلما تحور غيّر من النتوءات على سطحه ليفترس خلايانا
بفاعلية لم يعرفها غيره من سالات الكورونا. وكلما اقتربنا من اسراره اكثر
فاجأنا بأسرار أمرّ.
ماذا سيحصل في الخريف القادم؟ بعد أن يتم تطعيم مجموعة كبيرة من
الناس وبعد أن يكون الفايروس قد أنهك مجموعات أخرى. هل سنكون
بمأمن منه ونصنفه تصنيفَ الانفلونزا، ونتوقف عن منحه تلك الهيبة؟
أم سنظل نحور اللقاحات كي تواكب تحوراته الخطيرة؟ وباء السارس لم ينضج
ليصبح جائحة، أما الكوفيد ١٩ فقد احتل عرشها بتيجانه القاسية بكل جدارة.
مصير كوفيد 19 بين التحور والمناعة
(Visited 8 times, 1 visits today)