الكتابة بالنسبة لي عملية معقدة ومتفردة وحميمية، هي ذاتك
اإلنسانية العارية، المكتظة بتجارب األلم، الحب، الخوف ،الطيش،
هي أنت وكل أضدادك.
ربما لن يكفيني كتاب لشرح فعل الكتابة. هي خلوتي التي
اتقاسمها إراديا معك عزيزي القارئ. في هذه الظروف العصيبة
التي أفقدت العالم إتزانه وعقله، ان لا أجد أعقل من الهروب على
زوراق الكتب او الكتابة. لنتنفس قليال الصعداء من التسمم اإلعالمي
العالمي الذي يأرقنا عن جائحة كورونا.
اللقاء بكتاب هو كلقاء حب، إما يجرفك ويشدك إلى آخر كلمة أو
أنك ستتوقف عند مشارف المقدمة مكتفيا بها، كانك تج لس أمام
أشهىطبق في مطعم فاخر باريسي لكنك ال ترغب في األكل.
وهذا ما يحدث معي عندما ال يفتح كاتب ما شهيتي اللتهام نصه.
لكن مع ألبرتين سرازان تقف مندهشا، متواطئا، منجرفا، تغمرك
أحاسيس متناقضة كأحاسيسها المضطربة، يسري بك جوع إللتهام
كل ما خربشت.
قبل أن أغوص معكم في عالمها، أردت أن أتوقف عند إكتشافي لزخم أدبها. تهتم
دار النشر «هن » المصرية بتقديم وترجمة أعمال أدبية نسائية كثيرة للقارئ العربي.
وصديقي رجاء موسى مدير الدار حدثني يوما عن ألبرتين سارازان، فإذا به هو
نفسه لا يعرف كيف إهتدت ذائقته األدبية إلى نصوصها. ويذكر في مقدمة الترجمة
التي خصتها الدار لأعمالها انه ربما يعود ذلك لشغفه بالجزائر.
فطلب مني البحث عن مجموعتها الكاملة وبدأت المغامرة الني لم أجدها في
المكاتب العمومية لمدينة كليرمو فيرون. فبحثت عنها على الانترنت فوجدت سيرتها
ألادبية على عدة مواقع، لكن أجمل ماقرأت عنها صدر على موقع BABELIO حيث
يتردد القراء في ترك انطباعتهم عن الكتب يخصص لهم الموقع مساحة لذلك.
راسلت موقع خاص بترميم واعادة بيع الكتب القديمة فوجدت ظالتي، اخيرا بعد
مراطون طلب الكتاب وإنتظاره.
كان المؤلف ضخما تمأله حياة قصيرة كحياة ألبرتين التي أخذها الموت عنوة وهي
في عز عطائها، جمع كل أعمالها «الكاحل » و «الهروب » ، الصادران في 1965 الذي
حقق مبيعات خيالية ثالث ماليين نسخة، رسائل وقصائد 1967 .
هناك كتاب يكتبون بالفطرة تماما كبعض الرسامين أمثال بآية الجزائرية التي
الهمت بيكاسو بفنها القبلي الفطري وأبدعت فنا ال يخضع للتصنيفات العالمية بل
يعبر بوجدانه الخام.
والبرتين فنانة من نفس الطراز لم تصقل موهبة كتابتها الجامعات والمكتبات بل
هي عصارة تجربة حياتها البائسة،عميقة عمق خيباتها وألمها.
ولدت ألبرتين في الجزائر عن عالقة حب غير شرعية من أب جزائري وأم إسبانية
سنة 1937 تخلت عنها والدتها وتبنتها أسرة فرنسية وعاشت في موبليي، تعرضت
لالغتصاب من طرف احد افراد عائلتها. فهربت من منزلها وعاشت حياة بوهيمية
متشردة امتهنت الدعارة ومارست السرقة مما كلفها سبع سنوات سجن نافذة.
هربت من السجن ويكسر كاحلها في عملية الهرب فتكتب إثر هذه الحادثة رواياتها
المشهورة الكاحل وفي مغامرة هروبها تلتقي بجوليان سرازان الذي ستحبه بجنون
وتتزوج به.
تعتبر ألبرتين سرازان اول أديبة فرنسية تكتب عن غياهب السجن في فترة األربعينات،
مما جعل القراء يتعاطفون معها. وهي تكتب في السجن لم تكن تعرف انها تخط
طريقها للمجد األدبي الذي لم تقطف ثماره الن الموت لم يمنحها تلك اللذة.
تسعة وعشرون سنة هي خالصة حياة إمرأة متمردة، وكاتبة مميزة بثراء ال يمكن
أن ال يلمس حس القارئ، هي أديبة مغامرة فاقت في حبها للمغامرة جورج
صاندالمقتحمة لصالونات االدب الرجالية وايزابيل ابرارد التي هامت في فيافي
صحراء الجزائر.
لتجربتي في قراءتها بلغتها الأصلية الفرنسية نكهة خاصة ألنها
احيانا تستعمل اللغة العامية الفرنسية وهذا في حد ذاته فعل جديد
في عملية الكتابة في االدب الفرنسي، كنت احيانا أرى فيها المرآة
األرقة لبوجدرة وأحيانا أخرى أحضن تلك الطفلة التي الا جذور لها
والا وطن. ولم تجد سوى عراء الكلمات معطفا و قسوة اورغازم غير
منشوذ يحولها إلى خشب، وفي خرابها الجميل اصبح جوليان حبيبها
الوطن و الانتماء. هو الفرصة اليتيمة التي تصدقت بها الحياة اخيرا
على حياتهاالمظ طربة، فرصة تجعلها إنسانا محبوبا،خالقا ، مبدعا
للجمال رغم قبح العالم حوله. عشرة أيام دون أن أشعر بالجوع
والعطش، فقط أشعر بالغربة فيك، وفي ان أصبح معبرة عنها.
هذا الشعور الذي بإمكانه أن بدفئ وينعش ، أن يحرق ويوجع. هذا
المساء، أحببت بإسمك كل الرجال، هذا الخوف عند مقاربة الرجال،
هذا الرفض الذي يستحيل تجاوزه، الغريب والمجهول هو ذا كله
ينصهر إلى سعادة، سعادة يائسة طالما تمكنت من أن تهذيني اياها، حلمت،
إستندت إلى بابك بجسمي كي أصيح بك «أحبك »
انه لا يمكن أن الا أشيد هنا بالعمل الجبار الذي قدمته المترجمة التونسية سهى بختة
في الحفاظ على جمالية اإلحساس في نصوص ألبرتين، وإذا بي أرتشف نصوص
ألبرتين بمذاق الياسمين التونسي الذي ينكه القهوة التونسية فيجعلك تستزيد.
إليك أيها القارئ بعض المقتطفات من ذرر نصوصها. أتمنى لك جولة ممتعة في
رحابها تشد إحساسك كما شدتني:
- أوه، أيها العزيز الذي مثلي لم يتعافى من الحياة، كما ترى كان يجدر بي إرتكاب
مزيد من الحماقات. كأن ، وبينما نمارس الجنس، أضمك بشكل أخف، لم نتعلم قط
أن نشاهد بقدر كاف، لكننا تحسسنا بأيدينا، ربما أكثر مما يجب، وحتى الموت لن
يجعل الأصابع ترتخي.
ها هو ذا..
اورغازم من الجاز..
يشبه سكرة الموت..
الكحول تتلظى..
ال شمس في السماء ..
فقط سقف الحانة على وقع المطر..
صرخات الجاز تتلوى..
ثم اورغازم..
منكهات وغائبات من الماضي..
صديقتي صديقتي..
طالما تسكعنا من ملهى إلى ملهي..
انت انا..
هذة الكلمة الواحدة المركبة..
ماذا فعلت بنا هذه الحياة ..
هذه السنوات الكافية..
كي نحب انفسنا..
لم تكن سبع سنين بل..
الماليين من االعوام..
هذه الصداقة ستدوم..
مادامت تأوهات الجاز تجول..
عبر النحاس والذهب المعشقين..
حيث يلمع تمثال أثيني، ساكسفون وقبلة…