” خضم الحياة ”
محمد الوائلي || كاتب عراقي
في تلك البقعه القصيه عند اطراف وادي الموت حيث يقبع قبر زوجها جثت ساجدة تحاول بعث الحياة في الحجارة والرمال.. تأملت طويلا ثم غادرت الى المعبد القريب وجلست بين يدي الكاهن الذي بدا مستغرقا في أفكاره .
قالت له
– مولاي.. إسمح لي أن أتبع زوجي الى السماء محفوفة ببركتك.
اجاب الكاهن
-علام العجلة يابنيتي. ؟ أفلا تخص هذه الارض ذاك الذي رفع السماء ؟
قالت بحسره
-إنني لا أهفو الى السماء. لكنني أريد زوجي .
فتح الكاهن الكتاب المقدس واخذ يهبها الخواطر الساميه عسى أن يمتليء قلبها بالحب الألهي..وحين انتهى غادرت لكن الكدر لم يغادر عينيها .
في اليوم التالي وعند ضياء الفجر الأول إتجهت الى المعبد فوجدت الكاهن وحيدا وقد أرخى ناظريه الى الكتاب المقدس.. وبصمت جلست بين يديه.. تبادلا نظرات مكبوسه.. قرأ في شقوق شفتيها الحرمان.. وقرأت في عينيه أللهفه..وضع الكتاب جانبا وإقترب منها.. أنهكها تسارع انفاسها فأغمضت عينيها.. تقلبت أحلامها الجامحه بين أحضانه وتحت وطأة جسده الثائر.. وحين فتحت عينيها رأى النشوة الجذلى تشع منهما.
…………….
تنبثق التجريديه من حقيقة إن الطبيعه تبدو عنصرا مهددا وفوضويا ومليئا بسمات الزوال والتنافر.
والتجريد هو الشعور الجياش المشابه لأحاسيس الرجال البدائيين… اي هو التعبير المركز للغريزه. ولأتوقف هنا عند عبارة الرجال البدائيين.. فالرجل البدائي علينا أن لانتصوره مطمور تحت الأزمان. بل إنه يتحرك داخلنا بعنف لكن الكوابح والأعراف التي فرضها الانسان على نفسه عبر تلك المسافات الزمنيه الشاسعه ألجمته بقوه وجعلته يعاني من إنحباس نفسي وحولته الى رغبه مكبوته مؤجله.
ولنعد الى سمات الزوال والتنافر الموجوده داخل الانسان( فهو متمازج مع الطبيعه إذ فرضت عليه كينونتها والحصيله مشاركه روحيه وسلوكيه واضحه ).فأحاسيس الرجل البدائي الجياشه سرعان ماتذوي بعد الإكتفاء وإشباع الحاجة .. بعدها يحصل شيء من التنافر إذ ليس هناك مايوجب التقارب بعد إنتفاء الحاجة والرغبه.. وحين نتحدث عن دور الأديب في هذا المضمار فهو يكمن في إلغاء سمات الزوال والتنافر..وذلك بأن يصنع الأبدية بمقدار مايرى الأشياء بمظهرها الخالد وهذا يتطلب إيقاظ المعنى الكامن في الكلمات وذلك بالخروج من أسر مايمكن ان نسميه ب(فقه اللغه) .. أي باخراجها من قوالبها القديمه وإيجاد تعبيرات مبتكره تتناسب مع الفكر الجديد.
ولنعرج على اقصوصتنا “”خضم الحياة” فلو تعمقنا الى ماوراء السطور لوجدنا هناك دلالات جليه على نزوع الانسان الى التجريد.. فالمرأة حين سجدت على قبر زوجها إنما بواعز من حاجتها الملحه ورغبتها المتفاقمه والدليل انها وجدت ضالتها بالكاهن الذي عجز عن اسماعها الخواطر السامية المدرجة في كتابه بسبب الحيوان الذي يصرخ داخلها ويحجب أي صوت عنها.. وكذلك الكاهن نفسه الذي سرعان تخلى عن مهمته وتجلى الرجل البدائي فيه بمجرد إيماءة من المرأة لذا من المنطق ان نضع عنوانا كبيرا يختزل ما تقدم وهو (لن نصل الى الانسان اذا اهملنا الحيوان فينا)