هذه نصوص مدهشة بصدقها ومهارة صياغتها وملامستها الجريئة
لمشكلات حياتنا الملتبسة، وانا اعيد قراءتها لاكثر من مرة ايقنت ان
الانثى الشاعرة تشكل حضوراً مهماً في الحراك الثقافي، بالرغم من
المحددات الضاغطة والانشغالات التي تعيق انتشارها، ولولا مبادرة اتحاد
الادباء والكتاب في العراق بطبع هذه المجموعة )لم تُنكر خطيئتها( لما
اطلعت على هذه التجربة الغنية والتي تؤكد من خال نصوصها على
جدارة منتجتها وابداعها:
واقولها بصدق قرات شعراً فيه ما يسر الخاطر ويدعو الى قول كلمة
تليق بهذا المنجز الذي اطلع عليه لأول مرة، فالشاعرة اسراء العكراوي
تدهش قارءها بهذه المجموعة وتبرهن علىان الانثى الشاعرة تستحق
الاهتمام والتعريف والكشف عن ابداعات مخبوءة بفعل عوامل مختلفة
لاسيما ونحن – في المشهدالشعري – ندرك ندرة الحضور الانثوي الذي
يعد على اصابع اليدين ويكفينا قراءة الشاعرات – رسمية محيبس،
منور ما حسون ، نجاة عبد الله واخريات مقات نشراً واصداراً، لكن
اسراء العكراوي بهذه المجموعة احيت الامل وبعثت في نفوسنا الشعور
بالطمأنينة على مستقبل شعرنا وسامة حضورها وقوته ان هذه المجموعة
بنصوصها المنضبطة الاثنين وثلاثين نصاً تشير الى تمكن الشاعرة من
ادواتها وصدق تجاربها وسامة عروضها، وهي بذلك لم تنكر خطيئتها
في التعبير عن همومها واشكالاتها وتناقضات واقعها المضطرب، ومن
جميل نصوصها : احام النرجس الغافي ص ٢٨ والذي تبوح من خلاله
بمشاعر انسانية راقية :
ارأيتموهم ؟
نائمين
اطفال قريتنا
يجمعهم سبات سومري
حالمين
ارأيتهم؟
غارقين
بالشمس
بالنسمات
بالعبق الحزين
غرقى
بأمواج انين
تنور هذي الارض فار
يانوح
اركبنا معك
ما ذنبنا يا نوح ؟
كي عنا تغلق مسمعك
انا صغارالخيبة الكبرى
واحفاد القلق…
في ملاحظة اولى على هذا النص وربما تنصرف ذات الملاحظة الى معظم
نصوص المجموعة ان الشاعرة مغرمة بالتقفية التيتجئ في مواضعها
وليس اقحاماً عليه وهي بهذا – كما ازعم – تنفرد عن غيرها بهذه
المقدرة الصياغية والرؤية الواضحةلاستخدامات القافية وتمكنها الجدير
بالثناء من ادواتها اللغوية والاسلوبية التي بفضلها انتجت هذه النصوص
وداعبت فيهااحاسيسنا ومشاعرنا المرتكبة فنحن )احفاد القلق( الذي لا
يليق بسوانا يا سيدتي وهذا هو قدرنا المحتوم!! ومن جميل كلامها:
انا نفتش عن وطن
وطن يرق لدمعنا
ويلون الدنيا ربيعاً دائماً
من اجلنا
ونلم من اقصى التشتت من رفاق المدرسة
فالصف اجمل لو حضرنا كلنا
والدرس اوضح حين تتلوه معاً اصواتنا
والنوم اهنأ حين يحتضننا جناح من وطن
غضّ
سماوي
بلون قلوبنا
انها امنياتنا جميعاً نحن الذين سحقتنا المراثي وضيعتنا المزايدات، وما
اجملنا يا اسراء العكراوي لو عدنا معاً الى صفنا الموحد واستمعنا بوضوح
الى نداء الوطن المثقل بالجراحات والضغائن، انك سيدتي – بهذا النص
- تؤكدين عراقيتك واخلاصك وصدق محبتك لهذا الوطن – ) فالصف
افضل لو حضرنا كلنا( هي ارواح الصادقين الواثقين المؤمنين بانزياح
الغيوم واشراقةشمس الحياة البهية انها امنياتنا ومن ابسط حقوقنا…
ولكن… !!
وفي ) شوك الاسئلة ( تواصل الشاعرة اسراء العكراوي نشيجها وتمنياتنا
فتقول :
عن ما يصح
ولا يصح
اشواك اسئلة تلح
عن زرقة الحلم الجميل
وعن سراب فيه نصحو
عن غربة
بين العذوبة والندى
ودم يسحُ
عن مقلتيك – اذ تفيض
وعن فراتي … اذ يشح
ما الضير لو كان المدى حراً فوجه الله سمح
لو كان الصغار بلا معاناة تفح
اكل الضباب سماءهم
وسحابة الاحلام ….
لنلاحظ ان استخدام القوافي جاء في موضعه الصحيح : يصح / تلح/
نصحو / يسحُ / الى ….. ملح / وبتمكن ودربة ما عدنا نقرأها في نصوص
الاخرين التي مأت المشهد ضجيجاً وهذياناً، ثم ان هذا النص فيه من
سامة المبنى ورقي المعنى ما يدعوالقارئ النابه ان يشير باعتزاز الى
تجربة اسراء العكراوي التي فاجئتنا بحضورها المدهش ومنحتنا المزيد
من الامل بمستقبل شعرنا العراقي الاصيل…
ويسعدني ان اختم هذا ) الانطباع ( بهذا النص القصير والدال على قدرة
الشاعرة وحميمتها فهي تقول في ) لرضا واحمد ايضاً (:
قولا لأيامي التي انسربت
من بين اهدابي
الا مهلا
فطقوسنا بالحب ساحرة
وفؤاد امي ….
لم يزل طفلاً
شكراً ايتها العراقية المبدعة وشكراً لاتحادنا العريق الذي منحنا كل هذا
الجمال وحرضنا على قول هذه الانطباع الودود…