القاص / محمد الوائلي
كعادته يجلس الثعلب امام حجره راصداً بركة الماء التي يرتادها ذلك النورس الجميل الممتلئ فيهرول بإتجاها حاملا آمال محطمة وحلم شبه مستحيل ومكتفيا بمراقبة مضنية ثم يرجع قافلا الى مأواه خائبا محبطا…وفي يوم ليس ككل الايام بدا الامتعاض على وجه النورس اذ انحسرت المياه وشحت الأسماك فلاحظ الثعلب ذلك وخطرت له فكرة كإلهام صاعق فوقف على حافة البركة وخاطب النورس قائلا:
– يا صاحبي اذا اردت ان تمتلئ هذه البركة بالأسماك اللذيذة فما عليك الا ان تناشد الرب بدعاء مقدس.
فكر النورس مشككا لكنه لم يشم في كلام الثعلب فخا او ريبة كما أن الجوع والقحط لم يمنحاه المهلة الكافية للتبصر فصاح..
– ايها الرب أيها العظيم املأ هذه البركة بالاسماك.
فضحك الثعلب قائلا:
– ليس هذا بدعاء انها لهجة خطابية آمرة تعافها النفس البشرية فكيف بالذات الالهية فالرب يريد المزيد من التذلل والخشوع..ارفع راسك للسماء واغمض عينيك حتى ترى الرب في وجدانك ثم أطلق دعاءك.
وما ان رفع النورس راسه واغمض عينيه حتى انقض عليه الثعلب واحتضن عنقه بين فكيه ثم ثبت قدميه على جسده الممتلئ وقال ضاحكا:
-يبدو أن دعائك كان من أجلي.
انتهت
تعتمد الرمزيه على ان كل ما موجود في الكون مرتبط برابطه واعيه لكن غير ظاهره بحيث يبقى المغزى الكامن في جوهر الاشياء بمثابة لغز ازلي مبهم لا يمكن الوصول اليه الا بقوة الإيحاء والكمال في قوة التعبير…
لكن الوسط اللغوي الذي تبنته الحركه الرمزيه كان عقيما لا يخدم إلا ذاته فهو يشبه الايماء في الفضاء الخالي وهذا ما نتج عنه الاغتراب في اللغة لكن بعض الكُتاب الامريكيين يرونَ ان الرمزية اتاحت للكاتب الحرية في ان يستنبط نظماً لفظية قادرة على إزاحة نظام اللغة التقليدية.
وفي خضم تلك المتناقضات لابد من التساؤل عن كيفية توظيف ميزات الرمزية كالاخترال والتكثيف و تحفيز خصوبة الفكر لصالح عالم الطفل البكر النقي.. فإذا كانت تربية الطفل قائمة على استنباط ملكاته الفطرية فهنا نتعامل مع فطرة الطفل من خلال الإيحاء المقرون بسلاسة التعبير والصور الفكرية المحببة للطفل لتوفير الصدمة الإيجابية المحفزة للعقل اذ تكن بمثابة نافذة مطلة على عالم اكثر نضوجا تضع الطفل على أعتاب المسؤولية الإنسانية والقدرة على استيعاب الواقع المحيط وهذا لا يدنس شيء من براءته وتلقائيته بل يزيده نضجا ووعيا ويمنحه الحصانه الفكرية والشخصية بل ينأى عما نقترفه بحق الطفل بأن (نسجن فكره بما نعتقد) دون الاهتمام بفردانيته الموهوبة التي تمنحه التميز والبصمة الخاصة به.. فغالباً ما نثقل كاهل الطفل بأزمات الماضي وادرانه ونقتل حلمه بإيجاد عالم افضل.. فالرمزية هنا توفر آفاق شاسعه من الصور والرؤى التي يلتقط منها الطفل ما يشاء بما يوافق فردانيته الفطرية بعيدا عن الشخصية الممنوحة له من قبلنا والتي هي بمثابة اصفاد تقوض تطلعاته وترغمه على التشبث بتجاربنا الشخصية وماضينا المأزوم بل تجهز على نزعة الاكتشاف والتمرد المتأصله بشخصية اي طفل …هذه الاقصوصة تشي برمزية سلسة تجعل ذهنه من خلال خدعة او طرفة ينصرف الى مقارنة الحدث بما يحصل في واقع مضطرب مليء بالتناقضات.