قحطان جاسم جواد
كثيرة هي القصص والروايات التي كتبت عن البحراو ان احداثها جرت في البحر او قريبا منه.وظهرت روايات وقصص عديدة، بعضها كتبت من خارج البحروالبعض الاخر ،من خلال معايشة من داخل البحر.فهل من يكتب من داخل البحر، كما الذي يكتب من خارجه. وما تاثيرات البحر في قصص الادباء.
عشت مأساة البحر
الروائي محمد مزيد المقيم في تركيا. حاول ان يعبر الى اوربا عن طريق البحر. لكنه فشل بسبب ظروف غير طبيعية وكاد ان يلقى حتفه مع عائلته! فقال عن تجربته :-
اذا كان هناك أنسان على وجه الارض ، تسبب البحر بمأساته ، وحزنه الابدي،أزعم إنه أنا ، حيث خضت مع عائلتي الصغيرة ، مغامرة البحث عن وطن ثان، بعد أن تكالبت الذئاب البشرية لتحكم بلدنا ، الذين افرغوه من محتواه الانساني، تلك المغامرة التي لم يكتب لها النجاح في عبورنا بحر ايجه،حيث تعطل ماطور الزورق المطاطي في وسط البحر بالقرب من خط التالوك بين تركيا واليونان ، لكن اليد الرحيمة للرب انقذتنا من الغرق بالتقاط خفر السواحل لمجموعتنا البشرية الهاربة من بلدها الجميل العزيز الى المجهول ، هذه المأساة ، منذ خمس سنوات اكتبها رواية ولكنني اعجز احيانا عن الاستمرار فأتوقف .. أعتقد أن الكتابة عن البحر يجب أن تكون وأنت على الضفة كي يمكنك ان تستعيد لحظة الحقيقة ، التي يحاول البعض تشويهها عبر كتابات لا تمت الى البحر بصلة.
فن سردي يكاد ينافس الرواية
اما اشهر من كتب عن البحر في رواياته الروائي حسن البحار.. وهو يعمل بحارا لذا تاتي كتاباته على نحو اصدق تعبيرا فقال:-
ولو شرعنا باديء ذي بدء بتعريف أدب الرحلات، لقلنا إنَّ النقاد وجدوا صعوبة في تعريف هذا الجنس الأدبي، للتداخل بينها وبين أجناس سردية أخرى مجاورة، ومنها: السيرة والرواية؛ المشتركة جميعها في عنصر الحكي، ممَّا يؤدي إلى صعوبة القبض على تعريف يجمع في حدِّه الخصوصيات والتنويعات التي تميز النصوص الرحلية عن غيرها، لذا تعدّ كتابة الرحلة على مستوى معرفة التجنيس نوعاً أدبياً غير واضح الحدود. ويمكن القول: انَّه فن سردي يكاد ينافس الرواية من حيث طبيعتها الاستيعابية للظاهرة النصية، وتزيد الرحلة على ذلك بانفتاحها المنهجي ما يجعل منها جنساً أدبياً ضاماً أنماطاً خطابية متنوعة، الأمر الذي يجعلنا نصفه بأنه شكل مائع لا هوية فنية تميزه؛ لمرونته إلى حدِّ كبير، إضافة إلى شدة تعقده واحتماله لأنماط وأساليب ومضامين كتابية تبعده عن البساطة الظاهرة لتجعل منه جنساً مركباً وشمولياً وجنس الأجناس. ومن المؤكد أنَّ الأديب سيبدع عند تناوله لمهنته فهو أعلم بتفاصيلها ودقائقها. وحسن البحار الذي امضى شطراً طويلاً من حياته في البحر، وهو القادم من قلعة سكر من ذي قار بلا تجربة بحرية ،دشَّن مشهداً جديداً للساحة العراقية ألا وهو البحر. وسرد رواياته ونصوصه القصصية بتميز فريد فوقف نقاد عديدون ليتأملوا عمق تجربته البحرية، فروايته “النوتي”كتبت عنها الناقدة خديجة بشار السلالي، والدكتور خليل شكري، والناقد فاضل ثامروآخرون يطيل المقام بذكرهم. وممَّا لاشك فيه أنَّ السفن التي تطفو على البحر تحتاج ملاحة وبحارة ماهرين للسيطرة عليه وعلى المشاعر والأحاسيس التي تتفجر في سفينة عائمة فوق بحر ومحيط ،بالإضافة إلى ثقل مسؤولية الركاب والبضائع، فتلك الحالة الإنسانية والحوار الذاتي معين لا ينضب للأديب للكتابة عنه بعمق وتفصيل كاتِّساع البحر.وحاولت في كتاباتي عن البحر سرد مشاهد حقيقية من مديات الحبكة الكتابية ودلالات السرد الرحلوي عن البِحار والمراسي في مختلف بقاع العالم، تحت مسمى رحلة وبدون رتوش وليس كما يكتب اخرون لم يعيشوا تجربة البحرواهواله وتحدياته. واخيرا يشير البحار: فالفضاءات البحرية الواسعة المفتوحة على عوالم الغرابة والمغامرة تجذب الأديب ليبوح بمكنونات نفسه وقلقه وهواجسه، ولها فعل عجيب في فتح عوالم الإبداع لقلمه ولخياله بل قد يستعير حتى ألوانه في سردياته كما حدث في رواية (بحر أزرق.. قمر أبيض)
ضرورة وجود الصدق الفني
واشار الناقد عباس لطيف:-
يعد ادب البحر من اصعب انواع الكتابة ويتطلب اشتراطات وطقوسا تفرضها طبيعة التناول واستثمارالاجواء وجدلية الطبيعة مابين البحر ومايقع حوله. ووفق لهذا التوصيف نجد قلة النتاج الادبي في الرواية والانواع الادبية الاخرى يكون البحر هو البطل الدرامي وهو المكان الذي يؤطر الاحداث والشخوص. اما ما يتعلق بالكتابة عن البحر وهل يشترط التجربة المباشرة والميدانية ام يمكن الاستعانة بالمخيلة والموروث الشفاهي او القراءات والاطلاع المعلوماتي.فالادب عموما وليس الرواية حسب لايتطلب الخوض المباشر او التجربة المعاشة بفدر ما يتطلب حضور المخيلة المحلقة والملكة على تمثل الاحداث والمضامين.وهذا لاينطبق على تجربة البحر بل على اية تجربة اخرى.فالمعروف ان الروائي نجيب محفوظ شخصية محافظة ورجل منظم لم يذهب الى النوادي الليلية ولم يعاشر بنات الليل لكنه كان بليغا ومقتدرا في تصوير عوالم الليل ونساء الليل ومايحيط بهذه الاجواء.هناك في المصطلح النقدي مايسمى بالصدق الفني الذي يتعلق بتفعيل المخيلة والصدق الحقيقي،الذي ينطلق من الكتابة من خلال التجربة،والصدق بنوعيه،هو الالية التي تقود العمل الى التآلف والتجلي بعيدا عن الافتعال والتلفيق.
من يكتب من داخله افضل
وقال الروائي علي الحديثي عن البحر والرواية:- للبحر لغة من يحدثه…فهو يحدث كل واحد بما يريده الشخص نفسه..نحن نستنطقه بما نريد.لامحالة ان من يكتب من داخل البحريكون افضل ممن يكتب من خارجه. فالذي يركب البحر يعيش احواله بكل تفاصيلها.فيمكنه وصف الحالة بدقة اكثر،قد كان للبحر حضوره الجليّ في “ألف ليلة وليلة”، إلّا أن رواية “الشيخ والبحر” لهمنغواي بقيت هي المتصدرة في ذهن القارئ كلّما ذُكر البحر والأدب.. أمّا الرواية العراقية فلا أظنّ أن للبحر أثره فيها إلا النزر اليسير، إلّا أنه يمكن أن نقول أننا وجدنا في نهرَي “دجلة والفرات” الصوت الذي نبحث عنه في البحر، فكلاهما يحملّ سرّ الحياة، وهل كان الأدب إلّا صوت الحياة، فالعلاقة وطيدة بين قطرات الماء وحروف الكلمة، كلاهما يمنح الحياة جمالها واستمرارها.
1