المستقل – متابعة
تسارع وتيرة حركة التاريخ وأحداثه المتلاحقة تجعل منه عرضة للنسيان والتآكل والتلاعب أيضا مالم يتم توثيقه ليس من خلال الكتب والمطبوعات فقط وانما من خلال الصورة المرئية التي نعيش في زمن سطوتها وذروتها الآن والتي أصبح الانسان العصري يقبل عليها أكثر من إقباله على المادة المقروءة ويعتمدها واحدا من أهم المراجع والمصادر في عملياته البحثية والفكرية ، فالصورة أتاحت للدراما السينمائية والتلفزيونية فرصة عظيمة في تشكيل جزء مهم من مساحة الوعي لدى المتلقي وتكون رسائلها من اكثر الوسائل فاعلية في توثيق الأحداث المهمة في التاريخ الانساني بل وحتى في تغيير أنماط التفكير والمفاهيم ذلك لاعتبارات تمتلكها الصورة دون غيرها فهي الوسيلة الأسهل تناولا والأسرع وصولا وأيضا لغة الصورة قادرة على اختزال وتكثيف الكثير من التفصيلات التي يحتاجها المتلقي فضلا عن توافر العنصر الجمالي والابهار والتشويق ، وتصنف الدراما التاريخية في السينما والتلفزيون بانها واحدة من الأنواع الفنية بدرجة عالية من الأهمية لأنها توثق حقب وأحداث وشخصيات تصبح فيما بعد مصدر معلومات ومرجع يستند اليها الجمهور في صراعاته ونقاشاته وبناء الوعي الجمعي لديه فالصورة المرئية تعطي الأحداث التاريخية عمرا أطول وقدرة أكبر على البقاء في الذاكرة وهذا يفسر لنا مثلا بقاء أحداث الحرب العالمية الثانية حية فى الذاكرة الإنسانية بكل تفصيلاتها ، العراق مر بحقب تاريخية حافلة بالاحداث الكبيرة غيرت وجه العراق سياسيا واجتماعيا وثقافيا على مر الزمن فهل واكبت الدراما العراقية تلك الأحداث و هل اخذت مساحة كبيرة في ذاكرة المشاهدين أم ذهبت أدراج الرياح ، الجمهور العراقي والعربي يعرف اسماء وأحداث تاريخية مصرية كثيرة نقلتها الدراما العربية فمعظمنا يعرف سعد زغلول وجمال عبد الناصر والملك فاروق ونعرف احداث عبور قناة السويس وثورة يوليو عام 1952 التي اطاحت بالملكية في مصر ولكني اشك في أن المشاهد المصري والعربي يعرف شيئا عن عبد الكريم قاسم الذي قام بثورة مماثلة اطاحت بالملكية في العراق بنفس فترة عبد الناصر ، ذلك لأن التوثيق والإنتاج والتسويق الدرامي العراقي لهذا النوع الفني بقي قاصرا ومغلفا بايدلوجية معينة تفرضها دائما الطبقة السياسية التي تحكم العراق وهي التي تحدد انساق العرض فجاء الإنتاج الدرامي التاريخي ضعيفا وغير مشبع إلا من بعض النتاجات الفنية القليلة والتي لا يمكن الاعتداد بها كمصادر حقيقية مؤثرة بسبب افتقارها الى القيمة الجمالية والعناصر الابداعية والثراء المعلوماتي الصادق فكلها تم تقديمها برؤية مقتصرة على زاوية واحدة ، وأغلب تلك الأعمال تم انتاجها في فترة حكم البعث الطويلة وكانت باشراف مباشر من قبل النظام السياسي الحاكم كما كان الإنتاج بتمويل حكومي سعى الى صناعة التاريخ وفقا لمعطيات و أيدلوجية خاصة من أجل خلق ذلك الوعي الجمعي المنغلق والمرتبط بالمنهج السلطوي فشاهدنا دراما مزورة في فيلم الأيام الطويلة الذي تناول جانب من حياة صدام حسين إبان الحراك السياسي للإطاحة بعبد الكريم قاسم وقد أخرج الفيلم المخرج المصري توفيق صالح وكذلك فيلم الأسوار للمخرج محمد شكري جميل الذي بناه بإطار إجتماعي سياسي تعبوي وحتى الأفلام الكثيرة التي أنتجت خلال الحرب العراقية الإيرانية في مرحلة الثمانينات أعتمدت على المنهج التعبوي الحماسي اكثر من إعتمادها على النوع التاريخى كما تم إنتاج فيلم تضمنت سياقاته الكثير من التزوير والتحريف للحقائق التاريخية لثورة العشرين طال حتى الأسماء والأماكن ذلك هو فيلم المسألة الكبرى والذي يعد واحدا من الأفلام المهمة في تاريخ السينما العراقية ، التلاعب بالوقائع لم يتوقف عند التاريخ المعاصر فقط بل أمتد الى التاريخ العربي والإسلامي القديم كما حدث مع فيلم القادسية والذي أشرف عليه شخصيا نائب الرئيس عزت الدوري حينها وفرض أجندات حكومية على المخرج المصري صلاح أبو سيف وتم إعادة تصوير مشاهد وتغيير أحداث وشخصيات داخل العمل فكانت تكاليف الإنتاج عالية جدا بمقابل فشل كبير في تسويق وقبول الفيلم عربيا أو عالميا على المستويين الفني والموضوعي ، السرد التاريخي برؤية حكومية تكرر مع فيلم الملك غازي الذي انتج بعد تحرير الكويت بفترة بسيطة و أريد من خلال احداث الفيلم اسقاط الظروف التي تحيط بشخصية الملك غازي على ما يمر به صدام حسين حينها من مؤامرات تدبرها بريطانيا والكويت بينما لم يكشف الفيلم عن التفصيلات والأسرار المهمة للملك أو للحقبة الملكية بشكل عام ، الدراما التلفزيونية لم تكن بحال أفضل من السينما العراقية في انتاج الأعمال التاريخية التي افتقرت الى عناصر التنشيط المعرفي والثقافي الرصين الذي يستطيع أن يحفر أسماء وأحداث في ذاكرة المشاهد كما في مسلسل حكايات المدن الثلاث التي بالكاد يتذكر الجمهور أسم العمل ، ولعل أهم الأعمال التي تركت اثرا في توصيف مراحل من التاريخ العراقي الاجتماعي والسياسي هي مسلسل الذئب وعيون المدينة والنسر وعيون المدينة وبعض أعمال الكاتب حامد المالكي التي كما في مسلسلات (الرصافي ، الحب والسلام ، أبو طبر والسيدة) الحقب الزمنية منذ الفترة الملكية وجمهورية عبد الكريم قاسم وحكم البعث وما تلاه من الاحتلال الأميركي والعنف الأهلي الذي ضرب المجتمع العراقي والحقبة المليئة بالصراعات التي يعيشها العراقيين حتى الآن السياسية والطائفية والعرقية تستحق التوثيق الدرامي التاريخي بشرط الأقتراب من تفصيلاتها بصدق وجرأة لأن ذلك يجعل منها وثيقة مهمة للأجيال كما تسهم في خلق وعي جمعي يساعد في رسم وترسيخ المرحلة فليس التاريخ وحده فقط الذي لا يرحم بل الدراما أيضا وصناعة الصورة إن لم نجيد صناعتها وتوظيفها فلن ترحم .
Its like you read my mind! You appear to know so much about this, likeyou wrote the book in it or something I think that you can do with a few pics to drive the message home a little bit,but instead of that, this is great blog A great read I will certainly be back