قصة قصيرة

قصة قصيرة

شوقي كريم حسن – كاتب روائي عراقي

*ذاك الوقت الذي مر، لاهثاً، مثل حمار الدفان مهاور الاعور، الناقل لجثث الموتى، بين مغيسل القرية المدجنة بالسواد، وعلو اليشان، المليء بحدب شقت الارض لتبتلع بقايا الخوف الذي رافق حياة الجميع، حين هربت روح الشيخ مطلك الفجر، الى ما كان البعض يطلق عليها بارئها، رغم الاثام والخرافات التي زققها زقا ، ايام كان الملا الذي لايجاريه احد، ولا يمكن الاعتراض عليه، قال الولد الذي اشاع، فكرة ان اكاذيب مطلك ، ماهي الا محض خرافات مجنونه، تريد لنا البقاء بين يدية لزمن لايمكن تحديده،.
– لايمكن لنسل الشيطان حمل روح طيبة؟ قال ، الثاني
– ماالذي يجعل هذا المديوف بطين الشذوذ ايهامنا ان الشيطان يبيض لتفقز عن شياطين آخر.. وان تلك البلدان البعيدة ماهي الا شياطين بثياب بشرية؟ رفع الحذر الساهم دوما اصبعه بتردد، قال الشيخ
– ها يابن الكذاب.. قل ماتريد؟
شهق الولد، وعن قصد تمخط بين يديه، ثم رفع دشداشته لمسح البقايا، وهو يمط كلماته.
-شيخنا ماذا عن الشيطانات؟
صفن الشيخ ، الذي لايمكن معرفة ماالذي كان يفكر فيه، ثم مالبث ان مطق، واطلق شهقات تشبة تلك التي تتعالي رويدا عند مجيء الموت، ودونما تركيز، وبلعثمة واضحة
-من علمك هذا السؤال سربوت؟ السارح في ارتباكه
-شيخنا انا فكرت.. مادام الشيطان موجوداً فلابد من شيطانة؟
-قلت لكم الشياطين تبيض.. ولايفقز بيضها الا عن رجال لا وجود لشيطانة؟
-والحلوات الموجودات هناك حيث يوجد اولاد الشيطان؟
هز الشيخ رأسه، ببطء اثار استغراب الجميع، ودون رغبة منه ، جحظت عيناه، واطلقت حنجرته زفيرا وشهيقاً، ومات، مثل ريح امتلأت درابين القرية، والقرى الاخرى بالخبر، الذي رافقته الاشاعة التي تقول ان موت الشيخ مطلك الفجر، انما هي بداية ظهور الشياطين واولادهم، الذين يعملون على حكم القرية وافساد النساء، وطرد الاولاد الى مدن البعاد، ضجت النسوة بالصراخ، و انتكست رؤوس الرجال بعد ان لفت ملامحها بيشاميغ تشبه شباك الصيد، وحدها الواقفة عند الطرف القصي، والامعة العينين، كانت تمتم بكلمات مجهولة، لم تقترب من الجسد الذي صار يصدر ريحاً نتنه ، لم يعرف عنها احد شيئا، قال صاحب الحمار.
-لايمكن ايصاله الى اليشان؟ رد الواقف عن رأس الجثة بصعوبة بالغة
-أحمله؟ رد الدفان،
-اخاف على حماري من الموت.. من اين اعيش ان مات حماري؟رد الواقف عن الجثة، وهو يتراجع الى وراء بضع خطوات، اثارت ريبة الكثير، فتراجعوا الى ابعد ما يمكن، بدات الرياح، تعدد الوانها، فيما جفت ملامح الوجوه واصفرت، قالت الواقفة بعيدا.
– عجل بدفنه والا ستأخذكم الشياطين الى بلدان لاتعرفون عن امرها شيئا؟ قال الدفان..
-حياة حماري غاليه؟ قالت المرأة
-لك مني ما تشاء ؟
اطرق الدفان قليلا، ومالبث ان رفع اذن حماره اليسرى موشوشاً، نهق الحمار بصوت اربك الجميع، فر البعض متوسلا الرب، ان لا تطاله عذابات الشياطين واثامهم، وتراكظت خطوات الاولاد صوب الشط الذي تقيء رائحة الموت، حتى جفت روحه، لم يك امام الدفان الا الاذعان لما امرت به، المرأة الواقفة بعيدا، حمل الجثة بخفة معهودة، وامر الحمار بالانطلاق، لم يك ثمة من يرى ذاك المشهد الغريب، كانت اهات الشيخ مطلك الفجر… الملوثة بالخرافات.. تهذي ببرود.. برود شديد.. من أنه ذاهب للاتيان بما يمكن الاتيان به من مردة وجن وشياطين، يقتلون الذين لايؤمنون بنبؤاته الكثيرة، واولها تلك التي تقول.. يأتي زمان يجيء به الغرباء.. غرباء لا يعرفون غير منع الناس من صناعة النايات وطلي الحناجر بذهب الانشاد!!
عند تلك اللحظة التي بدأ الحمار يصعد صوب قمة اليشان، بدأ الاولاد بعد ان محو صدأ حناجرهم بالغناء.. غناء طري.. لكنه يوجع الافئدة.. المرأة الواقفة بعيدا.. وقبل ان تقول ما تريد.. همست لنفسها.
– ليته مامات.. ليته يسكن حضني المحتاج اليه الان؟
وبغير ما وضوح امتزج نواحها، بتناثر ضحكات الجناجر الطرية وعذوبتها.

(Visited 18 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *