حارث رسمي الهيتي – كاتب عراقي
المقدمة:
منذ سقوط/انهيار نظام صدام حسين في العراق، والمفاهيم والمصطلحات التي تلاقفتها الألسن كثيرة ومتشعبة، كما إنها أصبحت محط جدل ونقاش يبدو إنه لن يتوقف قريباً، منها ما هو متفق عليه ولا يقبل أن يُحمل على غير وجه أو قصد، والآخر هو ملتبس أو يراد له ان يكون هكذا، ليُستخدم في غير محله، ومن هذه مصطلح “حاضنة الارهاب“، على الرغم من كونه مصطلحاً سياسياً – اجتماعياً يراد منه أن يُعَرِف البيئة التي تتوافر فيها ظروف واجواء فكرية – اجتماعية – اقتصادية تؤلف جميعها مناخاً ملائماً لنمو التطرف وتكون مغذياً له، بيئة تساهم في انتاج الارهاب بمختلف متبنياته ومرجعياته وأهدافه ويافطاته، الا إن المشكلة هنا هو في كيفية توظيف هذا المصطلح بحيث أصبح يشير في الخطاب السياسي العراقي الى محافظات بعينها ومكوّن بعينه دون الخوض او التعرض للبيئة والظروف التي وفّرت ما يتطلبه التطرف وبتحليلٍ كهذا نتوخى الدقة بالتعامل والوصف، ناهيك عن التشخيص السليم للمشكلة العويصة.
لا تدّعي هذه الورقة قدرتها على تبرئة تلك المناطق الموسومة بهذا المصطلح، فهي لا تُعنى (بضم التاء) بذلك بأي شكل من الأشكال، بل تحاول ما استطاعت تسليط الضوء على الأسباب التي جعلت من تلك المدن بيئةً نموذجية لاحتضان مجاميع مسلحة تحت رايات واهداف مختلفة، على الرغم من انها لا تتفق مع تلك المجاميع في بعض الاوقات وشهدت اختلافات وتناقضات كثيرة في اوقاتٍ أخرى. وسيقتصر الحديث هنا على المدن التي يشملها هذا المصطلح لا من ناحية تعريفه الأم، بل ما يعنيه التعريف حسب التحديث/الاستخدام العراقي له. حيث عَمَدَ هذا الاستخدام الى التغاضي عن أسباب كبرى كانت مهمة الاضطلاع بها تقع على عاتق الدولة/الحكومة بكل أجهزتها الا إن الاخيرة عجزت/تهاونت أو حتى تقصدت في بعض الأحيان بأن لا تؤدي ما هو مطلوب منها. دون الالتفات الى خطورة هذا الاهمال وما سوف يؤديه من مشاكل ربما ستكون قاعدة كبيرة لبناء مشاكل أخرى مستقبلية وهو ما بدا واضحاً في سنواتٍ لاحقة.
السؤال التأسيسي:
السطور اللاحقة ستحاول أن تقدم اجابات متعددة، ومن زوايا مختلفة آخذة بعين الاعتبار البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، هذه الاجابات لسؤال رئيسي : ما الذي يدفع بهذه المدن الى أن تقف أو حتى تتشارك برؤيتها مع المجاميع المتطرفة ولا تقف مع الدولة، رغم علمها بحجم الضريبة الكبيرة التي ستدفعها نتيجة ذلك؟ هل هناك خدمة معينة تقدمها تلك المجاميع عجزت عن تقديمها الدولة او تقاعست عنها ؟
قرارات بريمر باعتبارها الخطوة الأولى في تكّوين هذه الحواضن:
في مؤتمره الصحفي الذي عُقد عصر يوم الجمعة 16 آيار من العام 2003 أكد الحاكم المدني في العراق
آنذاك بول بريمر على إن عملية اجتثاث البعث ستعمل وفق ثلاثة مبادئ، الأول العدالة والشفافية في تطبيق هذا القرار، والثاني هو حرص سلطة الائتلاف المؤقت على الاستفادة من مواهب الذين أجبرهم الوضع آنذاك على الانضمام لحزب البعث، اما المبدأ الثالث والذي أعتقد إن أحداً لم يكن يتصوّر أبعاده التي لمسناها لاحقاً حيث أبدى بريمر استعداده لتقبل القصور الذي سيترتب على اقرار هذا القرار، هذه المبادئ التي اعلنها بريمر يوم توقيعه على الأمر رقم (1) الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة الخاص باجتثاث حزب البعث والذي حمل عنوان (تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث) ويعده بريمر “الخطوة الأهم التي اتخذها كمدير للسلطة” هذا القرار الذي قال عنه بريمر في موضع آخر من كتابه: “إن توجيه الرئيس واضح: سينفذ اجتثاث البعث حتى اذا جرى ذلك على حساب الكفاءة الادارية”.(1) وهذا يناقض المبدأ الثاني من المبادئ التي اعلنها بريمر.
بعد ثلاثة عشر يوماً بالضبط على اصدار قرار اجتثاث حزب البعث وقّع بريمر قراره الثاني، القرار الجديد هذه المرة ذَهَبَ الى حل جميع الاجهزة الامنية العراقية، وقد تكون بعض الاجهزة الأمنية من الضروري أن تكون نهايتها كما انتهت اليه باعتبارها أجهزة قمعية دموية تشبه كثيراً أغلب الميليشيات التي اعتمدت عليها ديكتاتوريات العالم من قبل واعتمد عليها النظام العراقي في اخضاع واذلال المجتمع، لكن القرار لم يقف عند هذا الحد بل شمل ايضاً الجيش العراقي، ورغم ما لهذا القرار من تبعات قد تكون في وقته غير ملموسة الا ان عاقلاً لا يُفترض أن يغيب عن علمه ما تعنيه الفقرة السادسة من هذا القرار على المدى البعيد، والتي نصّت على عدم صرف أي مبلغ مالي لأي شخص كان ينتمي لحزب البعث ولا يفترض به أن يتلقى أي راتب، معتبراً إن كل من كان يحمل رتبة عقيد أو أعلى هو عضواً من كبار أعضاء حزب البعث، وهذا افتراض غير عادل كما انه غير دقيق أو مقنع!
خطورة خطوة مثل هذه نابعة من عدد الجنرالات التي كانت في صفوف الجيش العراقي حيث يذكر بريمر بأن هناك 11.000 جنرال ما بين عميد وفريق أول، وإن كان هذا الرقم صحيحاً أم تقديراً مبالغاً فيه فانه يعني إن سلطة الاحتلال كانت على علم بهذا العدد الكبير وما سيشكله هؤلاء اذا ما تركوا في الشارع!!
وبعيداً عن أي اعتبارات أخرى، شكلت هذه القرارات ما يمكن اعتباره الخطوة الأولى لرحلة عداء لاحقة بين جمهور كبير مسّت هذه القرارات مستقبلهم وعوائلهم من الجانب الاقتصادي أولاً، وهذا بحد ذاته سبباً كافياً ومسوّغاً لا تستطيع الوقوف بوجهه وأنت تناقش تصرفاتهم المقبلة. ناهيك عن الجانب الآخر والذي لا يقل أهمية عن ما سبقه وهو ضياع المكانة الاجتماعية التي كانوا يتمتعون بها، ما تريد هذه الورقة أن تثبته هنا، هو عدم وجود تطمينات لمثل هؤلاء بأن لهم مكان في عراق جديد يراد بنائه الآن على انقاض نظام كانوا هم جزءاً كبيراً منه ولست أبالغ إن عدداً كبيراً من هؤلاء يعتبرون ذلك النظام هو نظامهم وسلطتهم ومكانتهم. وبدا الأمر ليس باعتباره إحقاقاً للحق وتطبيقاً للعدالة المنشودة، بل انتقاماً جماعياً يلوح في الافق عكس ما اريد منه حسب قول هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي الأسبق وأحد رجالات نظام ما بعد 2003 في مقابلة له: “ان موضوع اجتثاث البعث، حقيقة شوهوا المسعى والهدف الأساسي له. حساباتنا كانت للشريحة القيادية في حزب البعث، والفِرق القُطرية والقومية في المستويات العليا، أما البقية فلا، وهو ما لم يحدث“.(2)
ان محاولة الحصول على ارقام واحصائيات دقيقة لأعضاء حزب البعث وقياداته تكاد تكون صعبة، ولكن وبحسب الأرقام الصادرة من هيئة اجتثاث البعث والتي تضمنها تقرير صادر عن المركز الدولي للعدالة الانتقالية(3) فإن هيئة اجتثاث البعث كانت قد صرحت باحصائية عن عدد العراقيين الحاصلين على العضوية الكاملة في الحزب عند سقوط النظام كانت 400000 عراقي او يزيد بقليل عن ذلك، منهم 150000 كانوا عاملين في القطاع العام المدني منهم 65000 كانوا من اصحاب المستويات الأربعة العليا للعضوية، في حين كان 250000 منهم يعملون في قوات الاجهزة الأمنية و وزارة الدفاع، ومن مجموع ذلك كله كان عدد الموظفين الذين تنطبق عليهم اجراءات اجتثاث البعث 45.111 موظفاً.
وبمراجعة خاطفة لتلك الاجراءات وما رافقها يصبح واضحاً ان موضوع اجتثاث البعث لم يكن برنامجاً يهدف الى عدم تمكين البعث مرة اخرى من الوصول الى السلطة، اضافة الى محاسبة من تسبب بأذى للعراقيين وتورّط بالدم العراقي، برنامجاً لم يذهب الى مزيد من البحث و التقصي والتحقيق كما يفترض أن يكون عليه، بل ذهب الى افتراض إن كل من وصل الى درجة حزبية معينة هو متهم وبالتالي يجب أن يتم ابعاده، وهو ما جرى لاحقاً. ناهيك عن التباين في تطبيقه من منطقة الى أخرى، وما يؤكد ذلك هو ما صرح به السيد باسم البدري رئيس هيأة المسألة والعدالة في نيسان 2020 من إن قانون المسألة والعدالة لا يعمل في اقليم كردستان ولا توجد آلية بشأن التعامل مع البعثيين هناك(4)، وهو ما يفسر ما يمكن اعتباره بالصدمة يوم نعت قيادة حزب البعث المنحل في تشرين الثاني 2020 وفاة عضو القيادة القومية للحزب وعضو قيادة قطر العراق عبد الصمد محمد الغريري وهو لواء ركن في الجيش السابق وكان يشغل منصب قائمقام قضاء هيت يوم سقوط النظام في 2003، اذ كان يقيم في محلة بختياري في اربيل، مع العلم إن الغريري هو على قائمة المطلوبين التي اعلنتها الحكومة العراقية في 5 شباط 2020 (5).
وبالتالي دفعت “تخبطات” بريمر وسوء تقديره ومعه من كان يدفعه الانتقام بدلاً من اقامة العدالة الى توفير العامل الأول للتمرد، وهو العدد الكبير الذي لا يتمنّع عن حمل السلاح في أي لحظة متى ما توافرت له الظروف وتكاملت العوامل الأخرى. هذا على أن لا يغيب عن بالنا ابداً إن قرار حل الجيش العراقي وتسريح ضباطه وجنوده كان قد ملئ البيوت والشوارع بكميات مهولة من السلاح، وهنا أتذكر إن في هيت مثلاً وهي قضاء من أقضية محافظة الانبار كان هناك من 2-4 مواقع لبيع سلاح الجيش العراقي الذي تم الاستيلاء عليه من معسكر هيت للتدريب، تعرض هذه المواقع السلاح بطريقة علنية تبدأ من المسدسات وبنادق الكلاشينكوف و الـ BKC وقذائف الــ RBG وهاونات 60 ملم و 120 ملم، وحاويات كبيرة من العتاد والبارود، كل هذا في الوقت الذي كانت فيه ارتال قوات الاحتلال تشاهد ذلك كلما مرت بالقرب منها.
طبيعة النظام السياسي بعد 2003:
من الممكن اعتبار لحظة انهيار نظام صدام حسين بالنسبة لعدد كبير من المجتمع السني وكأنها ضربتين على الرأس في الوقت نفسه، فبطريقة أو بأخرى كان هذا المجتمع يتماهى/يرتبط مع النظام آنذاك بعلاقات مختلفة ومتشعبة، سياسية واجتماعية وحتى اقتصادية لا تتسع الورقة هنا لعرضها، اما الضربة الثانية التي واجهها المجتمع هذا، فتكمن في طريقة تأسيس النظام البديل لذلك الذي لم يعد موجوداً.
مع شديد الأسف ولأسباب وظروف متعددة، قام النظام الجديد على أساس التقسيم المحاصصاتي (طائفي– قومي)، تقسيماً لا يهدفالى فتح المجال العام – سياسي واقتصادي- امام الجميع على اعتبار إن ارثاً من الاحتكار والسيطرة قد ولى، بل طريقة ووسيلةًللحصول على المكاسب والمكانة بغطاءٍ المظلومية ومستغِلاً- بكسر الغين- لها. وجرى تعميم وإن بصورة مبطنة تارة وواضحة تارةً أخرى إن النظام الديكتاتوري السابق كان يمثل حكم الأقلية التي استولت على السلطة وحان وقت أن تحكم الأكثرية وتسيّطر. لحظة سقوط تمثال صدام حسين كانت درساً واضحاً على فشل الدولة العراقية منذ تأسيسها الحديث في اقامة مجتمع مواطنين، فشلها في ترسيخ هوية وطنية قادرة على الوقوف بوجه ذلك الحدث الرهيب، وبالتالي تبيّن إننا امام مجتمعات تنادي بحقها كل على حدة، مجتمع شيعي وآخر سني وثالث كردي!!
كانت المشكلة العويصة لدى السنة بعد سقوط نظام صدام هي غياب من يمثلهم، من يحمل راية الدفاع عنهم مقابل رايات متعددة حزبية واجتماعية تمثّل الشيعة والأكراد، فمنذ أواخر أيام الدولة العثمانية بدأت التنظيمات الاسلامية الشيعية بالتأسيس فكانت من بواكيرها (جمعية النهضة الاسلامية) التي كان على رأسها الشيخ محمد جواد الجزائري(6) وبعدها منظمة الشباب المسلم التي أسسها عز الدين الجزائري وبعدها الحزب الجعفري عام 1952 الذي أسسه كل من عبد الصاحب الدخيل ومحمد صادق القاموسي وحسن شبر(7)، ولا تنتهي القائمة بحزب الدعوة الاسلامية ولا المجلس الأعلى للثورة الاسلامية الذي تغيّر اسمه لاحقاً وانتهى بتقسيمات طالت قوام تنظيمه، وللأكراد تاريخ سياسي حافل، وأسماء بارزة وأحزاب سياسية عاملة منذ وقت طويل، ويشترك الاثنان في ان لكل منهم سردياته واساطيره التي يتعكز عليها، إما السنة فيكاد يكون الحزب الاسلامي العراقي هو الموجود الوحيد على ساحة العمل السياسي لحظة سقوط النظام باعتباره حزباً سنياً يزيد تأثيره وينحصر من مدينة الى أخرى ومن وقتٍ الى آخر.
لاحقاً في الرابع عشر من نيسان من العام 2003 تم الاعلان عن انبثاق (هيئة علماء المسلمين )، وواجه المجتمع السني أغلب القضايا المصيرية اللاحقة وهو يدور بين مواقف الحزب الاسلامي العراقي ومواقف هيئة علماء المسلمين، دون خيار ثالث لهم حتى وإن بدت هذه الجبهة أو هذا التكتل يتحدث باسمهم. قرارات ولحظات اعتبرت فيما بعد وكأنها محاولات لاقصاءهم أو هكذا فسروها وهنا لا ننسى إن غيابهم عن الوجود كان سبباً من اسبابه هو ممثليهم.
كتابة الدستور الجديد والتصويت عليه:
كانت انتخابات الجمعية الوطنية في 30 كانون الثاني من العام 2005 وفق ترتيبات وتوقيتات قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية اولى المحطات المهمة التي امتحن فيها السنة ادائهم، وعملياً فان المجتمع السني لا يشكل كتلةً واحدة، وهو يتشابه في ذلك مع المجتمعات الاخرى، ولكن ما يسبب مشاكله على الدوام هو غياب المرجعية التي يقف خلفها وتستطيع هذه الأخيرة أن تصوّب وجهته أو توحدها في اللحظات المفصلية، فهو لا يتوفر على مرجعية دينية كما الطائفة الشيعية التي تجد غالباً في مرجعية السيستاني قولاً فصلاً، ولا مرجعيات سياسية مؤثرة لها قواعدها المجتمعية التي تتحرك من خلالها وتستطيع أن ترسم موقفاً لها في مواقف كهذه مثل الأكراد.
ولما كانت أهمية هذه الانتخابات تكمن في تخليص البلاد من الحكومات المؤقتة وكتابة دستور دائم للبلاد، فان موقف السنة –المُقاطع عموماً – من هذه الانتخابات أثر فيما بعد على نسبة وجودهم في الجمعية الوطنية ولجنة كتابة الدستور فيما بعد. وبهذا اضاعوا فرصة ان يكونوا جزءاً من عملية سياسية سيتذمرون كثيراً فيما بعد من غيابهم أو اقصائهم عنها، دون الحديث عن مواقف “ممثليهم” وتخبطاتهم وعدم قراءتهم للواقع الجديد قراءة منطقية تبحث في المصلحة دون الشعارات.
اضافة الى الوضع الامني المتردي الذي رافق عملية التحضير والاستعداد للانتخابات في كانون الثاني من العام 2005 وتهديد الجماعات الارهابية للمرشحين والناخبين وعوائلهم وحتى مراكز الاقتراع مما أثر على مشاركة الناس في الانتخابات لعبت هيئة علماء المسلمين دوراً تحريضياً باتجاه مقاطعة الانتخابات، اذ اعتبرت ان أي انتخابات في ظل الاحتلال هي باطلة، وهي “الفتوى” التي اعتبرها لاحقاً محسن عبد الحميد القيادي في الحزب الاسلامي العراقي انها “اضاعت حقوق أهل السنة فالنتائج النهائية تثبت ذلك بصورة قطعية” (8).
ولاحقاً وقع المجتمع السني أيضاً بين ما كان يطرحه الحزب الاسلامي العراقي وهيئة علماء المسلمين حول موضوع التصويت على الدستور التي صوتت الجمعية الوطنية على تشكيل لجنة لكتابته بجلستها الـ (19) في 10/5/2005، هذا الدستور الذي دعى الحزب الاسلامي العراقي الى التصويت لصالحه رغم تحفظه على بعض مواد وفقراته، بينما اعتبرت هيئة علماء المسلمين ان “هذه المسودة التى سيجرى التصويت عليها السبت المقبل باستفتاء عام بأنها مؤامرة كبرى“(9) واعتبر لاحقاً حارث الضاري إن من صوّت بــ (نعم) على الدستور لا يمثلون الا “بعض من السنة”(10) .
تجربة الصحوات المرحلة المهمة:
لا تمثّل تجربة الصحوات التي أعلن عنها الشيخ عبد الستار أبو ريشة في 14 أيلول 2006 وضمت في أفضل اوقاتها ما يقارب الــ (100000) مقاتل مجرد تشكيل عسكري للوقوف بوجه القاعدة والمجاميع الارهابية الأخرى، بل كانت وكأنها محاولة لاعادة اشراك المجتمع السني في المجال العام بعد 2003 ويدفع الأمريكان بهذا الاتجاه، اما الحكومة العراقية فظلت – وإن بصورة غير مباشرة- تعتقد بأن تجربة الصحوات هذه يمكن ان تتحوّل الى قوة سنية مسلحة قد تكون خارج حدود وصلاحيات الحكومة، وهذا التخوّف بدا واضحاً من اجراءات الحكومة بحقهم لاحقاً، فقد تركوا عرضة لانتقام القاعدة والجماعات الارهابية الاخرى لاحقاً بعد أن ضعفت قوتهم واعتبروا إن ما يجري هو اعلان الحكومة التخلي عنهم.
اما السنة أنفسهم فقد كان لديهم أكثر من وجهة نظر ودافع حول تجربة الصحوات، فشيوخ العشائر مثلاً كان لدورهم في الحياة الاجتماعية في الانبار – كنموذج – حضوراً بارزاً تكاد تكون القاعدة قد قضت عليه أضف الى ذلك النشاط التجاري الكبير لهؤلاء الشيوخ الذي تضرر من القاعدة مباشرة عبر الابتزاز أو فرض الاتاوات او نتيجة تحويل هذه المنطقة الى منطقة حرب شبه يومية. السبب الآخر الذي من المهم أن يكون حاضراً عند مناقشة هذه التجربة هو المراجعات والاختلافات وتضارب المصالح حتى بين المقاتلين المحليين من تلك المناطق ومقاتلي القاعدة الأجانب او فكرة القاعدة بالمجمل حيث تقاتل الأخيرة من أجل شعار غير نهائي لا يريد ان يتوقف في نقطة معينة بينما يبحث العراقي بكل الأحوال عن ربح سريع او عن تحقيق مصلحة تعود له بالنفع، بالمختصر وصل الامر مفترقاً للطرق أصبح بموجبه من الصعب الاستمرار معاً.
وليس بعيداً عن كل هذا يفكّر السنة بتجربة الصحوات وإن كانت بطريقة غير معلنة بأن ما يسميه الباحث الراحل فالح عبد الجبار بــ”عسكرة الهويات” ما بعد 2003 (11) تركهم يشعرون بأنهم فاقدين للقوة، فكانت الصحوات بالنسبة لكثير منهم بمثابة الذراع العسكري للهوية السنية إن صح التعبير فهي كانت او أريد منها أن تكون مثل البشمركة بالنسبة للأكراد أو حتى قريبة من تجربة الفصائل المسلحة عند الشيعة، ولا ننسى هنا ان الحديث يجري أيام ما كان الاقتتال الطائفي في أعلى درجاته.
وعلى أية حال، نجحت تجربة الصحوات في الحاق ضرر كبير في بنية القاعدة كتنظيم، كما حققت نصراً واضحاً عليه في بيئةٍ كان التنظيم يعتبرها بيئة آمنة ومطمئنة له، ولاحقاً ساعدت هذه الانتصارات الى حد كبير في نجاح المناطق السنية ولأول تقريباً من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات 2009 وبعدها الانتخابات البرلمانية 2010 التي مثلت صدمة هي الاخرى للجمهور السني الذي وقف ودعم وحتى تبنى توجهات القائمة العراقية، ومعلوم ما ترتب على نتائج هذه الانتخابات لاحقاً، وتفسير موضوع الكتلة الأكبر، هذا الذي عده كثير من السنة هو التفاف سببه النتيجة الكبيرة التي حققتها العراقية.
تبع كل هذا خطوات كانت غير مدروسة، وأدت الى نتائج كارثية لاحقاً، بدأت في كانون الاول من العام 2011 عندما وجهت الحكومة العراقية اتهامات طالت نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الشخصية السنية البارزة والمنشق عن الحزب الاسلامي العراقي، وأصدرت أمر بالاعتقال بحقه. تبعها بعد عام تقريباً اعتقال حراس وزير المالية رافع العيساوي القيادي السني والذي ساهم بانفجار اعتصامات الانبار وتطورها لاحقاً لتشمل اكثر من محافظة، لنصل الى كانون الاول من العام 2013 حيث اعتقال النائب عن القائمة العراقية احمد العلواني وهو احد أهم شخصيات ساحات الاعتصام ومقتل شقيقه في اشتباكات مسلحة مع القوات المداهمة.
ملاحظات تمثل الخلاصة:
No matter if some one searches for his necessary thing,therefore he/she needs to be available that in detail, therefore that thing is maintained over here