هل من نظرية عراقية في النقد ام مازلنا نعتمد نظريات النقد الغربية؟
قحطان جاسم جواد
بالرغم من ان النقد الادبي في العراقي كان يمارس مهامه الادبية منذ زمن طويل وظهور الكثير من النقاد الذي يشار الى بعضهم بالبنان لما قدموه من افكار ورؤى جديدة في النقد.لكن مع ذلك ظل النقد الادبي اسيرا للنظريات النقدية الادبية الغربية ولم يستطع ان يتجاوزها بنظرية عراقية خالصة تستمد واقعها وقوانينها من الواقع العراقي وارهاصاته الادبية. فماذا يقول النقاد والادباء ازاء ذلك تعال عزيزي القاريء لنقرأ سوية في افكارهم.
وهم الخصوصية الوطنية في النقد
شيخ النقاد العراقيين الناقد الكبير فاضل ثامر اشار الى انه يعتقد ان التجربة النقدية العراقية من التجارب النقدية العربية الناضجةالتي واكبت الرؤيا النقدية الحديثة وانها تجاوزت مرحلة المرهقة واللامنهج. وكانت الاشكالية الاساسية تتمثل في عدم الانبهار السلبي بفيض المفاهيم والمصطلحات الجديدة ومحاولة التمييز بينها واختيار ما يناسب التجارب الوطنية والقومية والمحلية وعدم تطبيقها عشوائياً واهم من ذلك تقديم نقد تطبيقي للنصوص الادبية بطريقة ابداعية ودونما تقويل النص ما لا يقوله او اسقاط احكام ومقولات بعيدة كل البعد عن جوهره الحي. هذا مانحتاجه بالضبط من النقد دونما الركض غير المجدي وراء وهم اجتراح نظرية وطنية او قومية خاصة للخطاب النقدي والتي قد نطلبها من النص الابداعي.على الناقد ان يلائم بين خصوصية النص المحلية. الوطنية وبين اشتراطات المنهج النقدي الجديد بما يضمن تقديم اضاءة واعية للنص ودلالاته وبنيته وانساقه المغيبة.
نظريات الغرب لم تأت من فراغ
وقال دكتور الجمال عقيل يوسف مهدي:-
النظريات النقدية الادبية الغربية لم تأت من فراغ، انما باتت حصيلة لرحيق عقول فذه من رجال الفكر والفلسفة والادب والفن عبر التاريخ المحلي والعالمي . وحين يتكامل النقد الادبي والفني , مع الواقع في اي بقعة من العالم , فان يهتدي بمؤشرات , يستدل بها الى معالم ( النص ) الابداعي , وينبغي له ان يخوض ( موضوعة ) النص بحذاقه حرفية اجرائية , ويأخذ بنظر الاعتبار مداخل متكاملة سواء من استقراء الجزء اومن استنباط الكل , المتعلق بعالم النص المنقود، وتبيان علاقته باللغة الابداعية المقترحة من قبل الكاتب الاديب وجديتها وكيفية معالجتها للطابع المحلي، اينما كان وفي اي لحظة من الزمن. اما (دعيً النقد) غير المؤهل لهذا المركب الصعب ينسف مرتكزات النقد الجاد , بذرائع متهافتة تجعله في موقع ادنى من رفعة النص وثقافته الابداعية , فيصبح النقد ظلال , باهتا , بلا حجة او دليل , ومحرفا , يسقط عليه توهمات نقدية واهية, ومحدودة الافق ومتعسفة . ومن المنطق ان يحتكم النقد بدراية وقدرة على تحليل النص وتركيبه وبتأويل رصين لا ان يقتفي ما تمليه عليه الصدفة والقراءة السطحية من غيراعتماد مراجع ومصادر رصينة كما هو حال النقاد المرموقين عربا واجانب بمواقفهم الانسانية العابرة للعرقيات والاديان والأمكنة . وهم يضاهون في جهودهم النقدية ما يبتكره الاديب في نصه الابداعي , حتى ان ( رولان بارت ) وسواه من الثقاة في النقد الرفيع , قد اعتبر النقد نصا موازيا في ابداعه الفكري وتقنياته الاسلوبية غير القائمة على تقلبات الاهواء وسذاجة الوعي والموقف من العالم ككل، بما فيه واقعنا العراقي المحلي والعربي، بهدف تحقيق التكامل الفني بين العمل الفني والعمل النقدي، باعتماد مناهج واساليب مختلفة بشرط اعتماد القيمة الابداعية في شعرية النص حسب تودوروف في الاثر الفني الذي ينقدون , فالنقد الجاد يتساوق مع قدرات الكاتب التخييلية , بطريقة رصينة في خطابه النقدي , ومن ثم, علاقة العمل الفني بالواقع الموضوعي للمجتمع بهدف نقل محسوساته الى قوه ادبية وفنية فكرية مركبة بشكل ابداعي متجدد , بمقايس نقدية متقنة حتى يصبح مؤهلا لتجاوز ارهاصات عابرة الى التمعن في بنية النص , في نوعيته الخلاقة المتفردة جماليا
نحن متلقون وليسوا منتجين
الناقد حمدي العطار قال:-
نحن – مع الاسف- بالفنون الادبية الرفيعة متلقين وليس منتجين ، فالنظريات النقدية هي نتاج مجتمعات اوربية متقدمة وهي تولد من منابع التنوير الاوربي،في امريكا ظهرت (النظرية التفكيكية) ولا يمكن للناقد العراقي ان يتجاوز النظريات النقدية الاوربية (النفسية والماركسية والبنيوية والتفكيكية)، وليس العراق او العرب هم فقط المتخلفين حضاريا في هذا المجال فلا توجد مثلا نظرية نقدية افريقية او هندية او حتى صينية بل لا توجد نظرية نقدية في امريكا اللاتينية على الرغم من جمالية النص الروائي.كما ان القصة والرواية نشأة اوربية فالنقد ايضا نتاج اوربي.
اليوم نحن نعيش ما بعد الحداثة وصار النقد الادبي غير مقيد ومفتوح لمقاربات النص
انا كناقد من الضير لو امتكت اداة تساعدني على فهم النص وتفسيره وكشف مكامن الجمال حتى لو كانت هذه الاداة صناعة اوربية – أجنبية
هنك قصور في مجالات عديدة ومنها في النقد الادبي، نحن لا نملك تخصص او قسم لدراسة النقد الادبي واغلب نقادنا غير اكاديميون ولا واحد فيهم من اساتذة الجامعات، بينما في اوربا النقد يظهر من الجامعات
اشكاليات مفهوم منهج النقد الادبي
وقال الاديب والناقد احمد الجنديل
مع التحولات الكبيرة والخطيرة التي شهدها العراق في السنوات المنصرمة ظهرت اشكاليات كثيرة حول مفهوم المنهج النقدي ، ورفع الغطاء عن حالة الجوع الى الشهرة ، وبدأ التملق والتزلف الى الناقد من قبل كاتب الرواية او القصيدة فظهرت فئة من ( النقاد ) لا يجيدون غير لغة المدح والقدح ، وظهرت اسماء تنوء بثقلها السياسي والايديولوجي وهي تتعامل بهذا الثقل مع النصوص الابداعية ، وبدأ الولاء يظهر لهذا الكاتب او ذاك وفق بوصلة الايديولوجيا او المصالح ، رافق هذه الظاهرة الاستخدام المفرط للمصطلحات الشائكة والوعرة والتي لا تمت بصلة الى المنهج النقدي الذي نطمح اليه والذي يهدف الى تمجيد الشخص بعيدا عن النص الذي كتبه. أمام هذا المشهد المرتبك والذي لا يمكن فصله عن المشهد السياسي والاجتماعي يعتقد البعض ان الازمة تتلخص في خلو العراق من النقاد ، والحقيقة ان هناك الكثير من النقاد وهم يؤدون دورهم الريادي في البحث عن النصوص المبدعة والقاء الضوء على جماليات هذه النصوص بطريقة موضوعية رصينة ، رغم ان البعض منهم مصاب بداء الكسل ، والبعض الآخر يعاني من دفع الضريبة الباهظة اذا ما اخذ النص على محمل الجد وصرح برأيه بصدق وشجاعة. نحتاج الى رؤية جديدة للتخلص من بعض الآراء التي تجاوزها اصحابها في الغرب وما زلنا متمسكين بها ، وتكون الحاجة اكبر عندما نفرش أوراقنا في محاولة لخلق منهج نقدي عراقي لا يتقاطع مع المناهج النقدية القائمة على التحليل الصائب والرؤية الموضوعية.
لايوجد نظرية عراقية في النقد ولاحتى عربية او اجنبية
في حين اشار الناقد الدكتور محمد حسين حبيب :-
لايوجد نظرية عراقية في النقد الادبي ، بل لايوجدحتى نظرية عربية او اجنبية محددة او مجنسة لدولة ما في العالم ، لان مناهج النقد عموما بناة افكار وعقول لاعلام نقدية في العالمين الاجنبي والعربي سواء في التاريخ القديم – اقصد الكلاسيكي – او الحديث وصولا للمعاصر ، هذه العقول المتفردة لاشخاص استندوا على مرجعياتهم المعرفية والفلسفية والادبية بعد ان اجهزوا على عقول ماقبلهم في طروحات تقديمية اولى سعت للتنظير النقدي وعملت على منهجتهدونما اتفاق مباشر في الكثير من الاحيان سواء فيما تم تسميته المرحلة التقليدية التي مايزت بين الذاتي والموضوعي مرورا بالمناهج النقدية التطبيقية ووصولا الى مرحلة حداثية الت على نفسها الا ان تتصدر مسارات النقد الحداثي الموائم لحركات الفن الحداثية او مابعدها من منطلق ان النقد يلاحق الظاهرة الفنية ، ولايبتكرها.. صحيح هناك مناهج نقدية ترتبط بمؤسسيها او حتى بعض من الاتجاهات والطروحات الفلسفية المتأدبة ترتبط ايضا بروادها لكن في العموم تظهر النظرية جماعيا ومن ثم يشترك فيها من ينتمي اليها ويروج لها ويكون احد اسماؤها . النقد عندنا عموما اسير نظريات غربية هذه بداهة للاسبابالتي ذكرنا باختصارنا للكثير من تفرعاتها وحيثياتها الاخرى ، فاجد انه ليس من الاهمية بمكان ان تكون عندنا نظرية عراقية خالصة لكن المهم ان نكتب نقدا ادبيا يستند الى منهج نقدي ادبي حديث او معاصر تتوافر فيه العناصر البنائية للمادة البحثية العلمية النقدية ، دون المغالاة بالمزاجية الشخصانية والعلاقاتيةالمصالحية وبعيدا عن اية نوايا اخرى خارجة عن الهدف النقدي الاصيل.
النقد الادبي في محنة حقيقية
وقال الشاعر والناقد منذر عبدالحر:- النقد الأدبي كما أراه محنة حقيقية، لأنه في أزمة حيرة في تحديد وظيفته، فهل الناقد شارح للنص، ام هو متفاعل معه ينهض برؤية جديدة مستمدة من أجواء النص وكاتبه، ام هو باحث عن مزايا معينة، أو أخطاء او نقاط ضعف وقوة؟ هذه أسئلة ربما انشغل النقاد بها، وحاول معظمهم ان يقدم اسهامه النقدي في إطار احد هذه الأسئلة، ولم يجرؤ احد منهم حتى الآن لاقتراح أو إطلاق منهج جديد يتناسب مع الأدب العربي عموما والأدب العراقي بشكل خاص، فإننا مازلنا نتعامل مع المنجز الأدبي وفق النظريات العربية القديمة، وهي قليلة جدا، أو في أحسن الأحوال مع النظريات الأدبية الغربية التي هي في أساسها بعيدة عن روح النص الأدبي عندنا، هذا اذا كان النقد علميا يتبنى منهجا معينا، اما اكثر ما نقراه الآن فهو انطباعات عامة، يغلب عليها الطابع الاجتماعي اكثر، ويحاول كتابها ان يشرحوا النصوص، وكأنهم شراح، لا نقاداً… أرى شخصيا ان النقد الأدبي بحاجة إلى ثورة حقيقية، تحدد وظيفته اولا، وتقترح منهجا جديدا ونظرية نتماهى مع تطور النص الأدبي، ولا تقف عند عتبات النظريات القديمة او المناهج المستوردة التي بنيت على تجارب ونصوص تختلف كليا عن اشتغالاتنا الأدبية بكل أشكالها، مع اعتذاري للنقاد الجادين.
التورط التاريخي والمعرفي لمركزية المعرفة
واشار الدكتور المعني بالفلسفة سليم عزيز:
النقد الجذري وتغيير العالم التغير يكمن عبر النقد الجذري لكل المنهجيات الفكرية التي تعمل تحت مفهوم عريض هو (من العقلانية ان نظل جاهلين) هي ذاتها التي تدمر امكانية التأسيس المعرفي العراقي، بدل ان تبنيه. او لنقل ان العقل العراقي المعرفي يمهد دائما لامكانية الهدم وتصفية التأسيس المعرفي اي اننا نجد ان توعيتنا لانفسنا والمشاركة في الجدل العام اكثر تكلفة لنا كافراد من بذل الجهود في تقليص الانحراف، فمصالحنا الضيقة التي تجلب لنا المنفعة الخاصة ستبقى دائما الحافز الاقوى في محاباة السلطة الفاسدة، متجاهلين الاضرار التي تقع على المجتمع والوطن. لذا على المفكر المشاركة في المناقشة من اجل تحويل الخطاب المنغلق على ذاته، الى دعوى للمشاركة عن طريق الجماعة التواصلية عن طريق النقد. فلحظة النقد، هي لحظة مفارقة لما هو مألوف. يحقق فيها قبول الآخر المخالف والمفارق. عبر نقد لكل القوى الخفية التي تهيمن على التفكير وتؤشر لتردي الوعي، حالها حال الايديولوجيا الشمولية، التي تكمن معضلتها في ان الوعي يحتاج الى حقيقة، يخال ان بها سيتمكن من تحصيل المعرفة تؤشر لفقد قوة التفكير في اللامشروط(الافق)، وانصياعه للمشروط(الوفق).، نقد للاعتقاد بهذه القوى الخفية، التي تحيل الواقع الحي الى واقع أصم فاقد المعنى والحياة. انه يكشف عن التورط التاريخي والمعرفي لمركزية المعرفة، في انجاز كل هذه الهشاشة المعرفية والتشوهات، التي تخلل كل مفردات حياة الفرد والجماعة، الواقع والنص. انه يؤشر لافولالكلمة، وتقويض الكتابة لذاتها، يكشف التقنين الاستيهاميللهيمنة والسيطرة والانتهاك.
لم تظهر ولانظرية عربية في النقد
وقال الناقد يوسف عبودجويعد:- أن الغرب سباق في وضع نظريات كبيرة ومهمة، تكون أداة للنقاد في تحليلاتهم النقدية للنصوص الأدبية، كون العملية النقدية لا تأتي إعتباطاً، وإنما تعتمد على أسس ونظريات تستخدم أثناء العملية النقدية، لذا في الغرب نظريات كبيرة وشاملة تخص العملية النقدية، ومنها النظرية البنيوية، وهي نظرية علمية كبيرة يستطيع من خلالها الناقد بتحليل المادة الادبية، وكذلك ظهور النظرية النقدية التفكيكية، والتي جاءت بعد البنيوية’ وكذلك السيميائية، وهي نتاج غربي، وقد اعتمده النقاد العرب كمنهج لتحليلات نقوداتهم، وظلت تلك المناهج وغيرها، تستخدم من قبل النقاد العرب والعراقيين على وجه الخصوص، كون تلك النظريات أو المناهج ذات مضامين علمية كبيرة وقادرة على تحليل النص بشكل ميسر، وحتى كبار النقاد من العراقيين والعرب اعتمدوا هذه النظريات، ولم تظهر أي نظرية كبيرة عربية، بأمكانها أن تكون بديلة عن تلك النظريات، الا فيما يخص النقد الثقافي لعبد الله الغذامي، وهو نقد ينظر في الانساق الثقافية المضمرة في النص، ودوره يقتصر على هذا دون أن تكون له ادوات تحليلية تقوم بتحليل النص الادبي كاملاً، الا أن الملاحظ في العملية النقدية العربية والعراقية رغم استخدام الناقد لهذه النظريات، الا أنه استطاع تطويعها لتتلائم وتنسجم مع واقع الحياة العربية، وتبتعد عن روح الغرب.