د. كاظم شمهود
كتب الشاعر و الكاتب الفرنسي بودلير عام 1855 يصف صور النساء قي احد لوحاتديلاكروا ( و يمكن ان يقال ان عيونهن تنم عن سر اليم لا يستطيع الحفاظ عليه رغم مايبدين من مهارة لاخفاءه و ان شحوبهن ليكشف عن صراع داخلي . تلك النساء مرضىالقلوب و الاذهان ) .
هذا النص النقدي يظهر لنا اولا وجهة نظر تحليلية نفسية لملامح الاشكال الظاهرة فياللوحة و انها لا تعدو ان تكون معبرة عن انطباع شخصي , ثانيا ان هذا اللون منالاسلوب النقدي التحليلي شاع بين النقاد العرب المعاصرين سواء كان في مضمار الفناو الادب و اتخذوه بمثابة قالب مستنسخ عن ذلك الزمن القديم الذي يبعد عنا اكثر من 150 سنة , ثالثا ان بودلير كتب مرة يصف شحصية ديلاكروا ( بانه شاحب الوجه مصفرشارد الذهن , ضعيف , قلق , رومانسي ) ولهذا لا يستبعد ان يكون المصور قد عكسوضعه النفسي و الشكلي قي تلك الصور او اللوحة .
و عادة ما نجد الفنان يعكس في اعماله وضعه النفسي و الشكلي و هي ظاهرة نجدهافي اعمال بيكاسو حيث التحرر و التمرد , و تمتاز اشكاله بالقصر و البدانة و هذابالضبط يمثل حياته الشخصية و تمرده على كل القيم و التقاليد القنية السائدة في ذلكالوقت . و يسري ذلك ايضا على الادب , مثلا نجد سارتر يتحدث قي رواية ” الغثيان “
عن اقكاره و فلسفته في الوجود و كذلك عن صديقته سيمون و ان بطل الرواية شخصقبيح قذر حر يسير بدون قيود ( انا ناعم ضعيف قذر … اتلاعب بالافكار المتشائمة ) . و قدعاش سارتر و سيمون في فترة معينة في القاهرة و كانا يترددان على مقاهيها القديمة ويكتبان هناك مقالاتهما و افكارهما , وقد قابلا الرئيس جمال عبد الناصر و رحب بهما . , وكان الاثنان يعيشان عيشة بوهيمية , وكان سارتر قبيح الوجه قصير القامة و سخالملابس .. . ولكنه فيلسوف و مقكر و روائي كبير .
اتذكر قصة طريفة عن الشاعر والاديب العربي بشار بن برد حيث كان مفرط السمنة قبيحالوجه ولد اعمى فلم ير الدنيا ابدا و كان من عظماء الشعر العباسي , ابوه فارسيالاصل و امه رومية , و قال الشعر و عمره عشرة سنوات , سألته امرأة ذات يوم : لا اعرفكيف يخافك الناس فقال لها , امن جمال الاسد يهاب الناس .
كما كان بودلير يتحدث عن الصور الشخصية و التي كانت مهنة رابحة للرسام في ذلكالوقت فكان الاغنياء و رجال الدين يكلفون المصوريين لتصويرهم باسلوب واقعي تمثيلي, و قد انتشر هذا الاهتمام في القرن السابع عشر , بينما نجد ان القرن التاسع عشر شاعفيه طابع الاهتمام برسم الاحداث التاريخية بنزعة توضيحية , ومنها ظهرت المدرسةالكلاسيكية الجديدة على يد الفنان الفرنسي دافيد 1784. 1825ويقول بودلير( بان الصورالشخصية يمكن ان تكون قطعة من الشعر او فصلا من التاريخ ) .. و هو بذلك يتفق معنظرية الفنان المفاهيمي الاسباني تابيس 1923 .2012 بان اللوحة هي عبارة عن تاريخ , و يعني بذلك بما تحمله من نص بصري و بصمات لمشاعر وقكر انساني .
غير ان ظهور المدرسة الرومانسية التي حمل لوائها ديلاكروا 1798 .1863 و ظهور الفنانالاسباني غويا 1746. 1828 كسرا تلك الاساليب التمثيلية و احدثا انقلابا ثوريا فيالاسلوب و المضمون فقد عاصرا الاثنان احداث الثورة الفرنسية و صورا المشاهد الثوريةالتي قام بها الشعب , فرسم ديلاكروا لوحته المشهورة . الحرية تقود الشعب 1830, وصور غويا احداث , 3 مايو 1808 , وهي تمثل الاحتلال القرنسي لاسبانيا و تنفيذهم حكمالاعدام بمجموعة من الثوار الوطنيين الاسبان , واشتهر غويا بحفرياته ( كرافيك)الساخرة و التهكمية من التقاليد و العادات وسيطرة الكنيسة على عقول الناس و كانتهذه الاعمال تمتاز بالخرافة و الخيال , مثل لوحة , ساتورن ياكل احد اولاده .1815. 1820 , وكادت هذه الاعمال تقوده الى المقصلة لولا تدخل الملك , ثم هروبه الى فرنسا و ماتهناك .. اليوم نجد احد محطات المترو في مدريد اطلق عليها اسم غويا Goya كما زينتبتلك الحفريات الساخرة و التي نفذت على المعادن و باللون الاسود , و اطلق عليها بعضالنقاد ( المرحلة السوداء ) .
و اعتبر بعض النقاد غويا ابو التعبيرية و الممهد للانطباعية و السريالية و كذلك ساهمفي ظهور الفن الحديث ,
اما ديلاكروا فقد مدحه بودلير و اثنى عليه كثيرا و عده من عظماء الفن الفرنسي , و كانت المدرسة الرومانسية قد اهتمت بمواضيع الادب المعاصر و الخيال و الانفعال والعاطفة , بينما كانت المدرسة الكلاسيكية الجديدة اهتمت بالمواضيع التاريخية القديمة… و ازداد ديلاكروا رومانسية عندما زار المغرب و الجزائر و اسبانيا عام 1832حيث شاهدعظمة و عطر الفن الاسلامي والناس بازيائها الفضفاضة والوانها البراقة الساطعة , و قداضافت الى اعماله كثير من الخيال و الشاعرية و الجمال , ورسم عددا كبيرا من اللوحاتعن شمال افريقيا مثل لوحة ,( نساء جزائريات ). و بعد مرور اكثر من 150 سنة قامتالحكومة الفرنسية بالتعاون مع الحكومة المغربية باقامة معرضا فنيا شاملا لاعمالديلاكروا في المغرب , وهي تمثل جميع الاعمال التي رسمها في شمال افريقيا , و افتتحه الرئيس الفرنسي شيراك