كتب : علاء الخطيب
كثيرٌ من الأشياء نتعايش معها ولكننا لسنا سعداء بها وليست لنا القدرة على رفضها اوالمجاهرة بعدم السعادة بها ،
هذه الأشياء ليست من اختيارنا ، ولم تتحكم ارادتنا الذاتية بتبنيها. لكننا مجبرونللدفاع عنها وقبولها.
تسيطر علينا دون ان نعي بحقيقتها ، ربما تكون كذبة وتتحول الى وهم ويتحول الوهمالى ايمان يتحكم بنا كجماعة ، ثم الى عقيدة مقدسة نقاتل ونقتل من اجلها وتصبحمعروفة وتنتشر بين الناس ،وكما تقول العرب : ( رب مشهور لا أصل له) ويقول : روبرتبيرسنغ ( إذا أصاب الوهم شخصاً واحداً يسمى جنون واذا أصاب مجموعة منالأشخاص سمي عقيدة او دين) .
كما هو حال وهم الايدلوجيا حينما تتضخم الفكرة وتصبح وهم ، لذا كثير من معتنقيالأفكار يعتقدون انهم يمتلكون الحقيقة وما سواهم في ظَلال، سواء كانوا دينيين امعلمانيين ، فهم يخوضون الحروب ويقدمون التضحيات لإثبات ان معتقداتهم هي الأصحوالأفضل وكل ذلك بفضل سلطة الوهم .
مع العلم ان ليس هناك حقيقة مطلقة ولا حقيقة مقدسة . وإنما هناك وهم مقدس يتسلطعلى العقول ويسطر وينتج التطرف أو الجهل المركب .
وهذا ما حدث للهنود الحمر كما تتحدث الاسطورة مع كرستوفر كولومبس الذي نَفَذَطعامه ، فطلب من الهنود الحمر ان يمنحوه الطعام ، فرفضوا ، لكن الفلكيين الذي رافقواكولومبس في الرحلة أخبروه بأن خسوفاً سيحصل للقمر ، فاستغل كولومبس هذاالحدث وقال: للهنود اذا لم تمنحوني الطعام والتموين سأسرق منكم القمر ، لكن الهنوداستمروا في رفضهم ، وحصل الخسوف وتوهموا ان كرستوفر قد نفذ تهديده وسرق القمر، فجاؤوا اليه متوسلين ان يرد اليهم القمر وسيمنحوه الطعام ، وفِي اليوم التالي عادالقمر لكن الوهم قد تكرس في نفوسهم ، وأصبح كولومبس قديساً .
وفِي كتاب حكاية القط والفأر للشيخ البهائي يتحدث عن سلطة الوهم فيقول : ان رجلا مربرجلٍ يجلس فوق شجره على احد أغصانها ماسكاً منشاراً و يحاول ان يقطع الغصنالجالس عليه ، فنظر له الرجل عابر الطريق وقال له : اذا بقيت على هذا الحال وانتتحاول قطع الغصن فأنك ستقع حتماً ، لكن الرجل لم يستمع لكلام عابر الطريق، وقال لهانشاء الله لن أقع.
فقال عابر الطريق لكن الله منحنا العقل وانا أرى انك ستقع، وقفل عابر الطريق ذاهباًواستمر الرجل بقطع الغصن ، ووقع فعلاً. فراح مسارعاً نحو عابر الطريق وقال له : منأعلمك بأني سأقع، قال له : فعلك أعلمني فرد الرجل عليه وقال: انت وليٌ من أولياء الله ،لكنك تتواضع واولياء الله يتواضعون !!!!
وراح يقبل يديه وإقدامه فتجمع الناس حولهما فسألوا عن الخبر فأخبرهم الرجل بأنعابر الطريق هذا ولي من أولياء الله، وحكى لهم الحكاية “الوهم ” ، فراح الناس يتبركونبعابر الطريق ، وهو قد رأى الناس اقبلوا عليه يقدسونه فأستحسن الامر وأصبح مقدساً ،بفعل الوهم .
ان سلطة الوهم سلطة لا شعورية مؤثرة ، فقد أشعلت كثير من الحروب. وأودت بالدمارعلى أمم أخرى .
الوهم هو تشوه وخلل في الحواس والعقل، لذا يعتقد الموهومون بأنهم أسوياء لكنهم فيالحقيقة مرضى وضحايا ، يقعون تحت سيطرت اللاوعي أو ما أسميته سلطة الوهم.
كثير من الناس يدافعون باستماته عن أشياء وأفكار او مذاهب واديان ليست مناختيارهم او ربما وجدوا آبائهم عليها فورثوها منهم ويخافون من رفضها او مجردنقدها، فتصبح مقدسة ومن المحرمات .
الوهم خدعة… مجرد خدعة نحن من ينتجها ويسوقها ، ونحن من نخدع بها أنفسنا .
الوطنية اذا تضخمت أصبحت وهم وخدعة
الدين اذا تضخم تحوَّل الى خدعة و وهم
الأيديولوجيا الحزبية اذا تضخمت أصبحت وهم وخدعة.
الحب اذا تضخم تحول الى وهم ومرض .
القُدسية وهم يتضخم فيصبح خوف
وهكذا هي سلطة الوهم .
فكل الخطوط الحمراء وهم وقى الله مجتمعاتنا منها.