مواويل جنوبية
عبدالسادة البصري
تبدأ جذوة الخلق الإبداعي عند المرء منذ صرخته الأولى ، وتتشكّل مع نموّه الطبيعي ،حيث تكبر معه يوما بعد آخر ، لهذا نجد أنّ أغلب المبدعين الحقيقيين قد برزت مواهبهممبكّراً منذ نعومة أظفارهم ، فأخذوا يصقلونها لحظة بلحظة بالقراءة والبحث والمتابعةلكل ما يسقيها ويغذّيها كي يقدموا الأفضل والأسمى ، رغم ماعانوه ويعانونه من شظفالعيش والحرمان والكبت والتهميش في أغلب الأحيان ، يفرضون أنفسهم وأسماءهمبجمالية خلقهم الإبداعي ومثابرتهم وكبريائهم !!
هذا ما لمسته عند الذين تركوا بصمة إبداعية في مجالاتهم ، وسجلوا أسماءهم فيصفحات التاريخ ليظلوا كواكب تنير الدرب للأجيال اللاحقة ، وقد تعلمنا منهم الكثير ومازلنا نتعلم كلما أعدنا قراءة ما تركوه من أدب وفكر وفن قديما وحديثاً !!
لم نقرأ في مجال من مجالات الكتابة أن مبدعا اكتشف نبوغه وموهبته بعد إحالته علىالتقاعد أو عند بلوغه السبعين ، حيث التفت لنفسه فوجدها شاعرة أو روائية أو مبدعةفي مجال الرسم والتصوير رغم عدم كتابته حرفاً واحداً خلال سني عمره المنصرم !!
أتمنى أن لا يغيض كلامي هذا البعض ممن ظهروا الآن وكأنهم كانوا نائمين ونهضوا مننومهم معبئين بخلق إبداعي جديد لعمر جديد آخر حتما !!
نعم .. كان هناك تهميش فيما مضى من ناحية ، وخوف وقلق من النشر من ناحية أخرى،، لكن لم يكن هناك مانع للكتابة الذاتية وان تكتب وتحتفظ بما كتبت لتنشره في وقتآخر ،، كما لا يمكن أن تكون جذوة الإبداع خامدة تحت جمر العمل وانشغالات الحياة كلهذه السنين ، وظهرت الآن بعد توقفنا عن العمل لنلتفت إليها وننبشها من تحت الرماد !!
طبعاً لا هذا ولا ذاك ، بل انه الفراغ الذي وجدنا أنفسنا فيه أولا ، واستسهال النشروالإصدارات هنا وهناك ثانياً ،ونعتبرها سياحة لقتل الفراغ ثالثاً ،، إذ تجد مئات الكتبالتي صدرت بعد انقشاع الغيمة السوداء وشروق شمس الحرية التي لم نفهم منها غيرالخراب والعبث وتشويه كل شيء ، حتى الرسالة الإنسانية الكبرى ــ الكتابة الإبداعية ــلنكون مزيفين حتى في مواهبنا ، لا نعرف أين نضع أقدامنا ،، وقد ساهمت في ( الخبصة) هذه الكثير من المؤسسات والمنظمات التي انبثقت حديثا في مجالات الثقافة والفنلتزيد الطين بلّه ، من خلال عدم تمحيصها وغربلتها للكتابة الجيدة من الرديئة وتأشير الغث من السمين ، فظل المبدع الحقيقي بين نارين ،، نار الكتابة الحقيقية التي ضاعتبين كثرة الزيف والتطبيل لهذا وذاك ،، ونار النشر والإصدارات التي ضاعت في خضمّ ( الهوسة ) التي أحدثتها كثرة المطبوعات التي لا أول لها ولا آخر ،، ولا رقيب ولا حسيب فيتطبيل البعض من النقاد الذين يركضون وراء أهوائهم وعلاقاتهم الاخوانية ومصالحهمالمتنوعة المشارب للرديء على حساب الجيد ،، وغيرها الكثير من المعاناة التي أفرزتهاالمؤسسات بدروعها وشهاداتها واحتفائياتها بمن لا يحسن حتى الإملاء والنحو علىحساب من أفنى العمر كداً واغتراباً وتعباً وضنكاً كي يصقل موهبته لينتج ما جادت بهالقريحة من جماليات الخلق والإبداع !!
كي نقف مع المبدع الحقيقي ونرفع عنه الحيف ونفكّ محنته هذه علينا أن نفرز الغثَّ منالسمين ، ونؤشر الجيد من الرديء، ونسعى لخلق مناخ إبداعي حقيقي بعيدا عنالمجاملات والاخوانيات والأهواء والمنافع ،، فالإبداع لم يكن ذات يوم عند مَنْ يبحثون عنالوجاهة والشهرة والصداقات الفيسبوكية التي تهلل وتصفق وتمنح من هبّ ودبّإعجابها دون أن تقف عنده لتعطيه نصيحة تجعل منه مبدعا حقيقيا لا طارئا سترمي بهالأيام ذات يوم في وادي النسيان !!!
ملاحظة :ــ
من فرط محبتي للجميع ، ولا أريد أن يكون هذا وذاك اهزوءة للبعض دون أن نقدم لهالنصيحة ونقول له هذا ليس بمجالك أيها العزيز ،، خضت في هذا المضمار عارفا أن هناكمَنْ لا يتقبل كلامي وسيضمر لي بذرة كره لا أرغبها أبدا ،، المحبة هي ما ابتغيه وأسعىإليه !!