غياب مؤسسات صناعة النجوم في العراق

غياب مؤسسات صناعة النجوم في العراق

صائب غازي
تحتل اليوم فكرة صناعة المشاهير أو صناعة النجوم المرتبة الأولى بين مجموع المفاهيم والقيم السائدة في المجتمع بعد ان كانت المجتمعات تحرص على وضع مفاهيم أخرى في الصدارة كالأخلاق والعطاء والإنجاز والإيثار والنجاح وغيرها من المفردات التي تعبر عن التفاعل داخل المجتمع فجاء مفهوم الشهرة و النجومية ليتخطى كل تلك المفاهيم ويصبح هدفا اساسيا يثير شهية الشباب وحتى الاطفال من الذين يتطلعون للوصول الى النجومية فهي لم تعد غاية فقط وانما وسيلة

 

للكسب المادي ومفتاح لكل الأبواب والسبل أمام المستقبل الواعد وقد ساعدت على ذلك وسهلت المهمة وسائل التواصل الاجتماعي أمام الموهوبين بشكل كبير ، في كل الدول المتقدمة من العالم التي يزدهر فيها الفن تكون الشريحة الأكثر جذبا للجمهور واهتمام المجتمع هم الممثلين والمطربين ينضم اليهم الرياضين والإعلاميين ايضا وجميعهم يمثلون تركيبة و واجهة اعلامية ودعائية قادرة على التأثير بقوة في المجتمعات وبشكل خاص في الشباب يمكن للمؤسسات ان تستخدمهم وتمرر من خلالهم الرسائل التي ترغب بايصالها ومنها المفاهيم التي اشرت اليها كالاخلاق والايثار والعطاء ، مفهوم صناعة النجوم في العراق للأسف لم يأخذ دوره بشكل صحيح ولم يحظى بحيز من الاهتمام يوما ولم تظهر لدينا مؤسسات كبيرة متخصصة في صناعة النجوم بل على العكس من ذلك هناك مفصل جوهري يُحكم قبضته على المشهد في العراق وهو محاصرة الفنان الذي يبرق وجهه أو يلمع اسمه أو يسطع نجمه حتى تنهال عليه كل أسباب اطفاء ذلك البريق الذي تشارك فيه جهات عدة تتوزع حصصها بين المجتمع والمؤسسات الرسمية على حد سواء من خلق اسباب التسقيط والتشكيك والطعن والإساءة حتى يتم تحطيمه بكل السبل وكأنهم يحملون معول ومبدأ (إياك وصناعة النجوم) وهذا المنهج انما يرسل انطباع بأن النجوم في العراق ومنذ الأزل ربما يخيفون السياسين والحكومات لذلك تتم محاربة حتى الفكرة خشية أن يعمل النجم على تحريك المجتمع والتأثير في سلوكياته وربما قراراته لذلك لا يسمح بسطوع نجم غير السياسي وهو الوحيد الذي يمكن ان يرسخ في ذهن الجمهور بينما لو أمتلكَ العراق مؤسسات تصنع نجوما في كل المجالات لاستطاع حتى السياسي نفسه ان يستفيد من ذلك النجم ويمكن للعراق كله ان يستثمر ذلك من خلال تسويقه داخل وخارج البلد حيث يمكن للنجم ان يصبح مادة اعلانية تجارية أو يصبح مادة ارشادية وايضا يمكن ان يكون مادة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ، اين نجوم العراق واين مكانتهم بين العالم باستثناء بعض المطربين فأن أغلبية الفنانين ممن نعدهم نجوما في العراق لا تعبر أسماءهم الحدود ولا تبرق في مطارات العالم ولا في شاشاتهم ولا مهرجاناتهم أو نشاطاتهم الكبيرة حتى حضور بعض الفنانين في مهرجانات خارج العراق لايعدو ان يكون حضورا رمزيا تشوبه المجاملات ،

وهنا نتسائل هل الخلل في الفنان نفسه ؟ الجواب ببساطة كلا وانما في المؤسسات الفنية والاعلامية العراقية التي لا تجيد صناعة وتسويق النجم العراقي ، مثال بسيط على اهمية النجوم هو سلسلة برامج (مقالب رامز) والتي تظهر بعناوين مختلفة في كل عام من شهر رمضان وتعاد على مدار السنة هذا البرنامج الذي يتهمه الكثيرين بالسطحية والتفاهة يتم تخصيص ميزانيات ضخمة له وتبنى مواقع عمل وستوديوهات خاصة كبيرة مجهزة بتقنيات عملاقة تستخدم فيها طائرات هيلكوبتر وفوج من سيارات الدفع الرباعي ومكائن مختلفة في كل حلقة الى جانب تذاكر السفر والحجوزات في فنادق فخمة وأجور عالية للضيوف وتوظيف فريق كبير من الفنانين والتقنيين المتخصصين بمجالات عديدة ، كل ذلك من أجل لحظة ذروة يتم فيها تسجيل ردة فعل “مفتعلة” على وجه النجم الضيف في أخر الحلقة وهي الشئ الوحيد المتغير نسبيا ضمن السياق الدرامي المتكرر لكل حلقة ، ولكن السؤال المهم هو ما مقدار حاجة الجمهور الى مشاهدة وتسجيل ردة الفعل تلك؟ ولماذا يتم رصد كل هذه الأموال من اجلها؟ ذلك لأن هؤلاء الضيوف “نجوم” يمتلكون حضور دائم في ذهن المشاهد الذي اعتاد أن يراهم يمثلون شخصيات مختلفة وحتما لديه رغبة جامحة في رؤية انفعالاتهم الطبيعية والحقيقية بدون تمثيل ، لا يتوقف الأمر عند هذا الهدف فحسب فالتلفزيون ليس مؤسسة خيرية وانما تجارة وإدارة في الوقت نفسه وأن صرف تلك المبالغ الكبيرة يأتي بمردود كبير أيضا من خلال الإعلانات التجارية الكثيرة في برنامج لا يتجاوز زمنه الحقيقي أكثر من عشرة دقائق فقط بينما هو متخم بالإعلانات التجارية ، وهذا الأمر برمته يوضح مدى أهمية صناعة النجم الذي يصبح ماركة تجارية و ثقافية وفنية مهمة ، هذا البرنامج على حد علمي وبمواسمه العديدة لم يحل على حلقاته ضيفا من العراق ابدا فهل سألنا انفسنا لماذا لم نرى فنان عراقي ضيفا في برنامج رامز ؟ ليس السبب أن هناك تقصد في عدم استضافة نجم عراقي بل لأنه وكما اشرت ان هناك حالة مرضية متفشية مؤسفة يعاني منها المجتمع الفني العراقي وأؤكد هنا على مفردة “المجتمع” وليس مفردة الوسط الفني لأن الفن جزء من ثقافة وحاضر المجتمع ككل وهذه الحالة الرديئة الماثلة هي قمع ومحاربة فكرة صناعة النجوم فنحن لا نمتلك نجوما يمكن ان يكونوا مادة تجارية لبرنامج رامز فكيف ياترى يكون لنا حضور في محافل فنية دولية ،

العراق بحاجة حقيقية الى ايجاد مؤسسات مختصة بموضوع صناعة النجوم والتركيز على الموهوبين والمتميزين واعدادهم بشكل جيد ابتداء بطريقة التعامل والاتيكيت والظهور والكلام ويجب رصد اموال كبيرة لهكذا مشروع ذلك لأن نجوم المستقبل سوف يكونوا سادة وسيدات مجتمع متمدن متحضر وممثلين عن العراق اسما ومكانة ، و إلا فكيف ننتج دراما عراقية راقية أو برامج متميزة أو أفلام كبيرة منافسة ونحن نحطم النجوم ولا ندعم احدا منهم ، نحن نحتاج الى دراسات مستفيضة و السعي بشكل جاد الى وضع رؤية واضحة من قبل المؤسسات بقطاعيها الخاص والعام في مجال صناعة النجوم

(Visited 32 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *