عندما تعود رائحة البارود

فاروق الرماحي

في مؤشر خطير يعيد لنا خيالات الماضي القريب ، اغتيل النائب والمرشح صفاء المشهداني بعد استهداف موكبه بعبوة ناسفة ، وصفها بعض المصادر بأنها عبوة لاصقة ألصقت بعجلته، ما مزق جسده وأسدل ستارًا دامسًا على مسيرةٍ كانت تُنكِئ على كلمة وسطية في وقتٍ هو أحوج ما يكون إليه العراق إلى الاعتدال والهدوء.

هذا الفعل الإجرامي يطرح أسئلةٍ لا تحتمل التأجيل
من يمتلك قدرات تصنيع أو الحصول على مثل هذه العبوات اللاصقة؟
ومن له مصلحة واضحة في إسكات صوتٍ معتدل كان يمكن أن يكون رافعة لتهدئة التوترات؟
هل هم خصومه من داخل المكوّن نفسه أم أطرافٌ تسعى إلى إعادة رسم المشهد بالقوة والقتل؟

ويزيد من تعقيد المشهد أن المشهداني كان في خلافٍ مرئي مع بعض القيادات السياسية، وفي مقدمتها الخلاف المعروف مع محمد الحلبوسي، ما يضفي على الجريمة بُعدًا سياسياً ورقعةً من الشبهات التي لا بد أن تتحقق الأجهزة المختصة من خيوطها.
تأتي هذه الجريمة في أجواء انتخابيةٍ مشحونة، حيث تحولت المنافسة إلى حملات تسقيط وتشهير خارجة عن كل مهنية وأخلاقية حتى كادت الحياة البشرية أن تصبح ثمنًا يدفعه من يجرؤ على الوقوف في منتصف الطريق.
إن تحول السجال السياسي إلى رصاصة أو عبوة هو فشلٌ جماعي للمؤسسات ولثقافة التنافس السلمي.

المطلوب الآن ليس بيانات إدانة رتيبة، بل ضربٌ بيدٍ من حديد تحقيق عاجلٍ مستقل، شفاف، بمشاركة جهات قضائية ومختصين دوليين إن لزم، لكشف المحرض والممول والمنفذ، وملاحقة كل من يعبث بأمن المواطنين وبمستقبل الانتخابات.
كذلك ينبغي حماية المرشحين بصورة فعلية، وإطلاق آليات لحماية الحملة الانتخابية من العنف والتسقيط الإعلامي الممنهج، وإقامة محاكمات علنية تردع كل من يفكر في العودة بالعنف إلى المشهد السياسي.

إذا لم تأتِ العدالة صريحة وواضحة، فإن دم المشهداني لن يُنسى فحسب، بل سيصبح سِجلًّا سوداويًا لعهدٍ جديد من الإقصاء والترهيب، وما فُقد من ثقةٍ في مؤسسات الدولة سيكون من الصعب استعادته.
البلد بحاجة إلى دولةٍ تحمي حوارها السياسي لا إلى ميليشياتٍ أو خلاياٍ تختبئ وراء العبوات لتقرر من يبقى على قيد الحياة.


مشاركة المقال :