محمد السيد محسن
في قصيدته “انشودة المطر” يصف الشاعر بدر شاكر السياب عن لحظات المطر المخيفة ، رغم انالمطر بشارة خير ، فيقول :
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريفْ،
والموت، والميلاد، والظلام، والضياءْ؛
فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاءْ
ونشوةٌ وحشيّةٌ تعانق السماءْ
كنشوة الطفل إذا خاف من القمرْ!
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرة فقطرةً تذوب في المطرْ
وفي قصيدة بصرية ثانية كتبها سعدي يوسف بعنوان “سالم الزروق” يصف زوجته :
هي حلوةٌ ياسالم’ المرزوق’ يذبلها البكاءْ
هي طفلة ٌ ما زال يفرحها القمرْ
وتخاف ان هطل المطرْ
وبقي المطر عند العراقيين بشارة خير وفي نفس الوقت خوفاً مستديماً ، لذلك ترى ان العراقي اكثر منيتحسس من المطر رغم انه سقوط حبات من السماء لا غير ، وكنت في صغري وما زلت احب اتابع الأفلامالهندية ، وكنت استغرب من الهنود كيف يحبون المطر ، ويغنون وسطه ، بل وكنت استغرب من هطولالمطر بغزارة عند الصيف ، حيث يرتدي الممثلون الزي الصيفي والمطر ينهمر عليهم بغزارة.
وفي الحديث عن المطر يذكر احمد سوسة في كتابه “تطور الري في العراق” كيف ان العراقيين القدامى لم يفكروا بخزن مياه الامطار ، مثل الشعوب المحيطة بهم ، وكيف اثرت ثقة العراقي بنهريه العظيميندجلة والفرات ، ولم يحسب العراقيون أي حساب لشيخوخة هذين النهرين ، حتى اذا جاءت هذه اللحظةبقي العراقي يخاف من المطر بيد انه لم يفكر ولحد الان بطرق متجددة للحفاظ على نعمة المطر ، وعلىالرغم من قحط الصيف ، ودخول العراق منظومة التصحر بعد تكتيف الأنهار من سامراء الى ذي قار ومنثم تجفيف الاهوار ، حيث يورد “ماكس فان دير شتويل” ، مراقب حالة حقوق الانسان في العراق طيلةثمان سنوات أيام حصار التسعينات ، يورد في احد تقاريره بأن حكومة صدام حسين جففت اكثر من ٢٥٠نهراً ونهيراً من روافد وأبناء وبنات نهري دجلة والفرات ، ومجموع ما تم تجفيفه في العراق كان اكبر منمساحة الدولة اللبنانية مقدارها اكبر من مساحة لبنان، الامر الذي جعل من التصحر شبحاً يهدد العراقرغم مرور نهرين فيه.
وبقيت حالات التحوط من القحط والجفاف في العراق لا تتناسب وحجم الكارثة التي تتطور يوما بعد اخر، بسبب تقصير حكومي عمره اكثر من سبعين سنة ، حيث ان الحكومات العراقية التي تسمى بالوطنية ،أي بعد الانقلاب على الملكية عام ١٩٥٨ توقفت في تطوير وسائل الري وخزن المياه ، ويكفي ان تسمع اننهري دجلة والفرات لم تجر لهما عملية الكري لمعالجة ارتفاع مستوى الرين وللحفاظ على عمق النهروتنظيف النهر كذلك من العوالق والأزبال ، دجلة والفرات لم يكرا منذ عام ١٩٧٨ وهذا بحد ذاته ينم عنتقصير كبير طيلة الحكومات السابقة والحالية، فصارت انهار العراق عبارة عن أنبوب مائي يؤدي الىالمياه المالحة في الخليج ، فضلا عن استغلال النهرين بالوعات للنياهرالثقيلة والازبال.
والمثير بالامر ان العراق عاد الى فترة الثلاثينات حين لم تكن في العراق سدود لمعالجة فيضاناتالنهرين ، فكان فيض المياه موسم “الزود” وهو عكس الصيهود – الجفاف ، يهدد العراقيين في مزارعهم، ومحاصيلهم ، بيد ان العراق وبعد ضياع زراعته منذ احتلال البلاد عام ٢٠٠٣ ولحد الان ، باتت المدن هيالتي تعاني من الامطار ، فتحولت بشارة الخير عند بلدان كنقمة في العراق ، رغم ان زود المياه لا يمكنتسميته بالفيضان ولا تنطبق عليه شروط الفيضان ، حيث ان التقصير الحكومي في المدن هو الذي يجعلمن الامطار نقمة على العراقيين تزيد من تخوفاتهم المتوارثة وعند كل موسم امطار يمارس بعضالعراقيين مازوخية قل نظيرها ، حيث يستمتعون بمعاناتهم مع الامطار.
لذا فالعراقيون في الصيف ينتظرون الغيث ويتذمرون منه في الشتاء ، والحكومات المتحزبة قلدتسابقاتها في عدم التعامل مع المطر عنصر
غيث للمدينة والقرية.