د. احمد مشتت
أثناء صعود الجبال التوى كاحل قدم باسم، كان علينا أن نتوقف. أثناء معاينتي له كانت أصوات أمر سريةالمقر تأتي من بعيد تأمر الجنود بضرورة إكمال الصعود هذا النهار. أسند شمو وسلام باسم الذي كانيتألم بشكل واضح.
علق خليل الذي سبقنا في الصعود وكأنه متسلق ماهر:
“باسم، هذه إصابة حرب، لازم تأخذ إجازة شهر.”
أجابه باسم برغم الألم:
“خو أنت إلا تقصني شظية بالنص يالله تصدق أني موجوع؟”
“برجلك ولا براسك باسم، إحنا من غير راسك ما ندبر أي شيء.”
كان هذا سلام وهو يصارع كي يقول الكلمات متسلسلة بعد أن أعياه الصعود كثيرًا.
قررت أننا يجب أن نرسل باسم إلى المستشفى حال وصولنا إلى مقر اللواء.
وصلنا إلى مقر اللواء أخيرًا. لم يكن هناك أي شيء يوحي بأنه مقر عسكري. لم تكن هناك مواضع ولادلالات. أظن أنها المرة الأولى التي توكل فيها مهمة من هذا النوع لوحدة عسكرية.
أشاد جنود سرية الإسناد خيمًا لأمر اللواء ومعاونه وأمر سرية المقر فقط. توزع باقي الجنود وبضمنهمفصيل الطبابة على الارض. كانت البقعة المنبسطة من الأرض التي أصبحت مقرًا للواء أشبه بالجنة. كانتمحاطة بأشجار الجوز العالية. وكان الثلج على سفوح الجبال القريبة لم يذب كليًا رغم أننا كنا في أواخرشهر آب. ساعدنا ذلك كثيرًا في الأيام الأولى إذ لم يكن لدينا مصدر للمياه غير ذلك. كنا نجمع الثلج منالسفوح القريبة في الجرادل وننتظر أن يذوب خلال النهار لنستخدم الماء. لم تكن هناك بقعة غيرخضراء في المكان. ننام على الأرض ليلًا ببدلاتنا الثلجية وتحت البطانيات القليلة التي جئنا بها. كنا نشعلنارًا عند بداية الغروب ونلقمها حطبًا حتى الصباح. قررنا أن نتناوب على الخفارات بيننا. سمعنا أن فيهذه الحبال الكثير من الذئاب والدببة.
اقترح كريم أن ننظم جدولًا للخفارات بين أعضاء الفصيل للقيام بالحماية الليلية والتأكد من وجودحطب كافٍ للنار التي أنقذتنا من البرد القارس الذي يهجم أثناء الليل، خصوصًا مع الرياح التي كانت لاترحم أجسادنا المتعبة.
بوجود الهواء والماء والنار وأشجار الجوز المثمرة، كان لدينا أمل أن الحياة ممكنة.
كانت أقرب نقطة فيها طريق بري تبعد عن مقرنا حوالي أربع ساعات من السير. كانت تلك نقطة تجمعالآليات لبعض الوحدات القريبة.
قضى باسم ليلة بشعة من الآلام. أعطيناه بعض المورفين، ورفعنا قدمه المصابة بعد أن لففناها ببعضالضمادات لتقليل التورم الذي بدأ يظهر تدريجيًا. وزاد الجوع من معاناة باسم. لم نأكل شيئًا في ليلتناالأولى. كان لدينا بعض الخبز والخيار، ونفد كل شيء بسرعة. لم يستطع شمو، الذي انشغل في رعايةباسم، من اصطياد أي شيء حي. لم توزع علينا أية أرزاق بعد. كانت الطبيعة الجغرافية للمكان قاهرةومليئة بالتحديات.
بعد يومين، استطعنا أن نضع باسم في طائرة الهليكوبتر التي أقلت الرفيق عيسى للمقر. كانت الطائرةتأتي صباحًا بالأرزاق وتغادر ظهرًا إلى سيدكان. حُشر في الطائرة مع باسم أغنام تمّت مصادرتها من القرىالمحترقة ومن الفلاحين الأكراد الذين لم يستطيعوا الهرب في الوقت المناسب.
وصعد أحد مراسلي أمر اللواء، هامسًا في أذن باسم أن هذه الأغنام ستذهب إلى منزل الأمر في ديالى. كان المراسل مبتهجًا أن ذلك سيمنحه بضعة أيام من الإجازة. قال لنا باسم فيما بعد إن الأغنام أصابهاالهلع أثناء صعود الطائرة في الجو وكادت أن تدوس على قدمه المصابة.
أبلغنا لاحقًا الرفيق عيسى أن مهمة اللواء هي حماية الحدود من الأكراد الخونة الذين يحاولون التسلل.
“مهمة بسيطة”، كما قال:
“إحنا دمرناهم، وحفنة منهم فروا لإيران وتركيا. مهمتكم رفاقي: اصطياد هذولا الخونة إذا رجعوا.”
أمام خيمة الرفيق بدأت تتجمع أكياس ملأها الجنود بالجوز. كانت هذه مهمة غير معلنة على الجنودالقيام بها.
بانتظام وصول الأرزاق، عاد شمو لمهمته المقدسة في إطعام الفصيل.
يتبع