د. خالد الشفي
قبل ان اتكلم عن الديمقراطية كمفهوم دارج ويحب كل الناس تطبيقه علاوة على التشدق به فيالمجالس….علي ان اذكر بعض المفاهيم،(الظواهر) الدراجه والتي قد تسبب مشكلة او تبني مفهوما معاكساللديمقراطيه مثلا؛
اضافة كلمة اعلى الى كلمة هيئه او مجلس اوشخص ما ..كذلك كلمة امين السر او الامين العام او السكرتيرالعام او الرئيس الاوحد ..(لحد الان لم يتجرأ احد من الناس على استخدام كلمة ،احد، وهذا يدل على ان الناس الذين يميلون الى الدكتاتوريه،وان تحدثوا بالديمقراطيه، هم مازالوا موحدين!! ).
وهذه المفارقة العجيبة هي حقيقة واقعيه ناتجه ليس عن طاعة الله الواحد الاحد وانما عن تقمص شخصيةالاله الواحد.. ولكن بغير حق!نوع جديد من الشرك ربما لم ننتبه اليه!.
تماما كما يقال في الاعمال الحرة ان فلانا هو الوكيل الحصري او الوكيل العام …او احذروا التقليد!!
الديمقراطية في ضمير الامه..
بين معطيات الفكر والعقيده
ومتطلبات المشروع السياسي
هذه القاعده موجوده ومتأصله في المجتمعات التي نمت وترعرعت بل رضعت من ثديالدكتاتوريه(الفرديه)…بل ان الرحم الذي ولدت منه الدكتاتوريه لايخرج منه تؤم وانما يخرج منه ذلك الواحد (الاوحد)الذي لاشريك له! .
سمعت من احد الفضلاء انه عندما يدرس موضوع او مفهوم ما في الحوزات (المدارس)الدينيه ، يدرس اولاماهو عكسه او نقيضه بغية استيعاب الفكرة والتمكن من فهمها!
مثلا يدرس مفهوم الشرك ومنه نعرف مفهوم التوحيد وفضائله. .. وهكذا…
اذا معرفة الدكتاتوريه اولا ثم من بعدها نتعرف على فوائد الديمقراطية..ليس فقط من اجل التحدث بها فيالمجالس والندوات … وانما كي تترسخ الديمقراطية كمفهوم ثقافي (سلوكي)!! اذ ان كلاالنقضين(الدكتاتوريه والديمقراطيه) عبارة عن سلوك اجتماعي والذي منه تخرج الحكومه
،و اي حكومة على مر العصور ،ماهي الا تعبير حقيقي عن ثقافة هذا المحتمع او ذاك .
وسلوك الدكتاتور هو نقيض سلوك ذاك الديقراطي.
الدكتاتور باختصار.. هو انسان اناني تحكمه الحالة النرجسيه..لايحب الخير الا الى نفسه..الخ
اما الديقراطي فهو محب للاخرين كما يحب لنفسه..ساعيا لرواج الخير ..وتقاسم الخيرات.. تماما كماوصفها الامام علي (ع) في وصيته لابنه الخسن(ع): يابني كن ميزانا فيما بينك وبين غيرك….
وعليه هناك الكثير من المفاهيم يجب مراجعتها من اجل تثبيت مفهوم الديمقراطية كي يتحول الى سلوكيومي و منها:
الحق العام
والمال العام
الحاكميه
المؤسسات
الاول يقضي على القانون القبلي ويمهد للتصرف والسلوك المدني يعني من البداوة الى المدينة والحق العاماوسع من مفهوم الديه عند حصول جريمة القتل..
الثاني يقضي على مفهوم المال العام كونه مجهول المالك الى مفهوم ان المال ملك الجميع ولايجوز التفريطبه!.
الثالث يركز على مفهوم الشورى وينمي مفهوم اهل الخبرة والدرايه …اي اصحاب الاختصاص في ادارةامور الناس والدوله (استخدام الخبراء) .
الرابع (المؤسسات)
وهو يضمن نجاح كل النقاط الثلاث الأولى لانه يتابع انجازاتها ويحفاظ عليها من هواة السلطهوالانتهازيين ..والسراق بكل اشكالهم..
المؤسسات في الدوله ليست فقط مرجعية الدوله والناس في كافة الامور ..
بل هي مراكز التطوير والتأهيل للاجيال اللاحقه(colleges) وتكون صمام الامان لاستمراريه الدوله فيالاجيال اللاحقه…باختصار ضمان مستقبل الامه
لان دورها مراقبة المجتمع والسلطه على حد سواء!!.
المؤسسات هي عبارة عن فروع وروافد للسلطات الثلاث التنفيذيه والقضائيه والتشريعيه
كذلك هي مؤسسات لبناء الاحزاب السياسيه وتمكينها من تبني المشاريع السياسيه لادارة البلاد وشؤونالعباد..
هناك نوع اخر من المؤسسات الرقابيه وهو الضمير الانساني ومن مجموعه يتكون ضمير الامه ومنه تبرزالصحافه والاعلام(السلطه الرابعه) لتعبر عما يدور في ضمير الامه(ضنير الامه هو المستودع الثقافيوالسلوكي للامه) وهو مايسمى اليوم بالرأي العام..وما له من اثر على على نشاط الاحزاب السياسيه وبهيمكن فحص سلوك الاحزاب في اي فترة على شكل الاستفتاء العام او الخاص .
اذن اين مكان الدين..وهل نحن بحاجة اليه؟
الجواب نعم .الدين هو أساس ضمير الامه بوصلة التمييز بين الحق والباطل ،الطيب والخبيث…الخ
و دور رجال الدين والمؤسسات الدينيه هو احياء وتنمية الضمير الانساني والمحافظة عليه..
وعندما يتربى الناس على هذه المفاهيم وتدخل في سلوكهم اليومي .. يطمأن الناس الى عملية الانتخابات وماتفرزه الاصوات ..لانها تكون الواسطه العمليه لاختيار الاصلح ..كذلك يكون هناك معنى للاحزابالسياسية اذ انها قنوات للتعبير عن ارادة الناس (عندما يكون مفهوم الحزب هو مفهوم خدمي يعنى بادارةشؤون الناس ومصالحهم)
وليس اداة لتركيز الطائفيه واثارة الفتنه والكراهيه وحب الانتقام والاجتثاث..والسيطرة على موارد الدولهوالاستحواذ عليها…..الخ
عندها تترسخ الثقه بالاحزاب ويطمأن الناس اليها…
حينئذ يكون تطبيق مبدأ العصا لمن عصى أمر يسعد به كل الناس(المواطنون)…وتكون الحكومه من الناسوالى الناس ولخدمة الناس.
بقي سؤال مهم وهو
من اين جاءت الدكتاتوريه اذ انها صفة مذمومة ولاتتوافق مع فطرة الانسان. اما الديمقراطية فهي صفةحميدة تتوافق مع الفطرة.
التاريخ يقول ان الديمقراطيه بحاجة الى جهد دؤوب للحصول عليها والمحافظة عليها كما حدث لاول مرة فيالتاريخ الحديث في مسألة الmagna carta في انكلترا.
وحسب ظني ان الدكتاتوريه ليست مجرد استخفاف بعقول الناس ولكنها من وحي النفس الامارة بالسوءوربما وسوسة من الشيطان او بتعبير ادق هي تحايل على انسانية الانسان وابتزاز لمواره والقضاء علىارادته ..كما بينت في بداية الحديث.
ولربما يصح القول ان الدكتاتوريه تمركزت وتركزت في العالم الشرقي اكثر مماهو في العالم الغربي بفضلاعتناق المغول للاسلام وتحويله الى اداة للسيطرة على الناس وامتد هذا السلوك ليشمل الشرق كله من دولاسلاميه واشتراكيه وشيوعيه ..على امتداد الامبرطورية المغوليه!.
للاسف لم يتسنى لدول الشرق التخلص من هذا السلوك بعكس الغرب الذي تمكن من تحرير عقول الناسمن سلطة الكنسيه الدكتاتوريه على يد الراحل مارتن لوثر .
النتيجه…. في الوقت الحاضر لاتنجح الديقراطيه في مجتمعاتنا الا بعد فترة التدريب والتاهيل حتىنمارسها تدريجيا وتتحول فينا الى سلوك يومي..يبدأ من الاسرة الى اعلى سلطه في الدولة!!.
اذن الديمقراطية(كما هي الدكتاتوريه) ليست سلعة تباع في الاسواق او هبة الهيه … او حقنة دواء منطبيب او صيدلية ..انما هي سلوك يعبر عن ثقافة المجتمع باكمله وجهده نحو حياة افضل ونحو العدالهالإنسانيه.
واخيرا لابد من وقفه واشارة سريعه الى نوع اخر من من الديمقراطية وحرية الإختيار الا وهي ديمقراطيةالضمائر الحيه والتي مرجعيتها وحكمها الله تعالى ..تحفظها سلامة الفطرة والاخلاص في طاعةالله…مؤسساتها هي النفوس الزكية التي تردع أصحابها عن كل رذيله او وسوسة … انها سلامة الروحونقاءها من كل الشوائب .فطوبى لاصحابها لما اختاروا ..
وما اختاروا الا رضوان الله سبحانه بغية الفوز بلقائه والقرب منه..
عندها يكون المغزى واضح من قوله تعالى:
لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون.
توجيه من الباري ان كل شئ خلقه بانتظام ونظام ..فلاعبث هناك ولا فشل وكل له دوره المناسب الذي انيطبه….فتأمل!!
سبحان المدبر الحكيم.
اذا لاخير في احزاب خاليه من المشروع ولاخير في تشريع من دون تنفيذ ولاخير في تنفيذ من دون قضاءولاخير في قضاء من دون ضمير ولاخير في دين من دون احياء الضمير الانساني