أبناؤنا أجدادنا

أمير الخطيب

جدي كان يقول، وأبي كان يقول: هذا لا يجوز. فالتقليد والعرف والشرع لا يسمحون بهذا الخروج عن المتعارف عليه. وهذا يعني أن الشرع الذي سُنّ لنا قبل آلاف السنين، يجب أن يبقى حاكمًا إلى أن يموت آخر إنسان على وجه الأرض.

 

في رحلتي الأخيرة إلى مدينة النجف، شاهدت شابين لا تتجاوز أعمارهما السادسة عشرة والخامسة عشرة، يناقشان أمرًا شرعيًا “دون أدنى شك”، فقال الأول للثاني: دخنت سهوًا، ولا أدري هل هذا يفسد الصيام ويبطلُه، علمًا بأني لا زلت صائمًا ومحافظًا على كل شيء.

 

أنا هنا لا أنوي الخوض في تفاصيل الشرع، ولا في أحكام الصيام والمفطرات، بقدر ما أريد أن أُشير إلى قضية أراها مهمة، وهي شغل الناس بالماضي وإبعادهم عن الحاضر والمستقبل. فالمهم – كما يُصوَّر – هو الماضي، وليس الحاضر أو المستقبل.

 

رأيت في المقابل طفلًا بارعًا في المونتاج وصناعة الأفلام القصيرة، ومتمكنًا من أدوات الذكاء الاصطناعي. هذا الفتى أخرج فيلمًا لا تتجاوز مدته الدقيقة الواحدة، أو أكثر بقليل، وكان احترافيًا وجميلًا. ومع ذلك، لم يُدخلْه والده المدرسة لأنها “حرام”، ولم يهتم بموهبته، ولا يريد له أن يتطور فيها، بل يريده أن يكون مثل أجداده الذين لا يزالون يبحثون في “الأحوط وجوبًا” وما شابه، منذ الأزل.

يا ناس، يا عالم، يا هو… رموز الماضي، بل الماضي كله، مهم كعِبَر ودروس لنا، لا لنعيش فيه حاضرنا ومستقبلنا. فالماضي ذهب ولن يعود. علينا أن نعيش الحاضر كي نصنع مستقبلًا أفضل وأجمل لنا ولأبنائنا، لا أن نحول أبناءنا إلى أجدادنا في المستقبل.


مشاركة المقال :


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *