كتب : علاء الخطيب
تركيا وايران إمبراطوريتان كبيرتان ، حكمتا المنطقة لقرون، وكان لهما التأثير الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي انعكس على شعوب منطقة الشرق الأوسط . ولطالما تنافست تركيا وايران على السيطرة والنفوذ في المنطقة ، وانعكس هذا التنافس بين الدولتين على واقع الدول العربية،
فيما لعبت الأيديولوجيا المذهبية دوراً مهماً في تأطير هذا التنافس ، فهناك من شيطن المشروع الإيراني واخر شيطن المشروع التركي ، وهناك من هول المشروع الإيراني وسكت عن المشروع التركي . وكل ذلك كان على قاعدة ” التموضع المذهبي ” .
لكن المفارقة بين الاثنين ان المشروع الإيراني أُدخل معه العامل القومي بالإضافة للعامل المذهبي ، فقد لعب الاعلام دوراً مهما في تدجين العقل العربي ، واستحضار التاريخ بما حمله من إشكالات وصراعاتوحروب وتصفيات ومؤامرات، فكانت السردية ” السنية “ تركز على ثأر الفرس من العرب، الذين أسقطواالإمبراطورية الفارسية، ورأينا ذلك بوضوح في الحرب العراقية الإيرانية حينما استُحضر التاريخ بتسمية الحرب العراقية الايرانية بـ ” القادسية الثانية ” ووصف الإيرانيون بالمجوس.
فإيران الشيعية متهمة بالتآمر على العرب(السنة)، حسب التسويق الإعلامي، وقد ترسخ هذا المفهوم في اللاوعي العربي .
فيما تجاهل العامل القومي في المشروع التركي .
فالنظر للمشروع الإيراني على انه مشروع فارسي، قومي «شيعي » ، ضد العرب .
أما المشروع التركي فهو مشروع إسلامي سني ، يدعم المواقف العربية ويتماها مع المذهب السائد لدى الأكثرية العربية .
وكثيراً مانسمع عن المشروع الإيراني، وتتناقل وسائل الاعلام العربية والعالمية، تصريحات بعض المسؤولين الايرانيين بين الحين والآخر عن سيطرت طهران على اربع عواصم عربية، مشروعٌ يتخوف منه العرب ، ويصفونه بأنه مشروع توسعي ، يريد ان يفتت الدول العربية، ويمزق وحدتها .
وقد خلق الاعلام العربي المتماهي، مع الاعلام الغربي ” بربگاندا” اعلامية حول المشروع الإيراني ، و أطلق البعض عنوان” إيران فوبيا ” لذا ذهب نتنياهو يحذر و ترامب يتوعد، والجولاني يقلب الحقائق ، ويحوِّلها الى حرب ثأرية بين الشيعة والسنة، على خلفية حرب صفين وكربلاء .
وهلم جرا ….
والجميع يصمت تجاه المشروع التركي ، الذي يسيطر على ثلاث عواصم عربية ” دمشق وطرابلس والدوحة ” و اربع دول يتواجد فيها الجيش التركي ، العراق وسوريا وليبيا وقطر .
وكأن العرب لا يشاهدون ما تقوم به تركيا من أعمال في بلداننا العربية .
تركيا العلمانية بوجهها الظاهر ، أو السلطنة العثمانية يوجّهها المخفي ، وجهان لمشروع واحد ، وهو السيطرة والنفوذ ، فهي تطالب بحلب وإدلب وحماه في سوريا والموصل والسليمانية في العراق كجزء من الأراضي التركية .
وهي تنزل قواتها في العراق وليبيا وسوريا ، ناهيك عن القاعدة العسكرية في قطر ، والجميع صامت ويتفرج .
تركيا التي دعمت ودربت وموَّلت ورعت الحركات الارهابية ، تناصر العرب ، تركيا التي لها علاقات عسكرية ودبلوماسية مع إسرائيل ، صديقة للعرب . وايران التي تعادي إسرائيل وتغلق سفارتها في طهران وتدعم الفلسطينيين وتناصر القضايا العربية، ضد العرب . مفارقة كبيرة يجب ان يتخلص منها العقل العربي المغيَّب.
مشروع يحضى بالتهويل واخر بالتقليل .
في سوريا الجديدة نرى تواجد عسكري أمريكي وروسي وتركي واسرائيلي، لكن العداء لايران فقط ، بالرغم من عدم وجود جيش إيراني في سوريا .
أليس من الغريب ان يصرح المسؤولون السوريون الجدد ان عدوهم الوحيد هي ايران !!!
أليس من الغريب ان لا يستهجن القادة السوريون الجدد احتلال جبل الشيخ وبعض القرى في القنيطرة من قبل إسرائيل ، ويستهجنون الوجود الإيراني .
هل من المعقول ان يتغاضى السوريون عن رفع الأعلام التركية فوق قلعة حلب و التصريحات التركية التي تطالب بحلب كأرض تركية عادت لهم ؟
المشروعان التركي والايراني كلاهما يبحثان عن مصالحهما ، وكلاهما مشروعان يهدفان إلى السيطرة والنفوذ ، وهو حق مشروع لجميع الدول ، فلماذا نقبل باحدهما ونرفض الاخر ، ماهي معايرنا في الرفض و القبول؟
ولماذا نهول خطر احدهما ونترك الثاني ؟
هل معايرنا طائفية أم قومية، أم ماذا ؟
اسئلة مطروحة على طاولة البحث .