السياسة والطابوق / د.عبد الحميد الصائح

السياسة والطابوق / د.عبد الحميد الصائح

 

عبد الحميد الصائح

أجابَ عادل إمام عن سؤال خلالَ لقاء تلفزيوني حولَ رأيه بالزعيم جمال عبد الناصر . قال : زعيم حقيقي بنى آلاف المصانع، بنى السدّ العالي واستاد مصر وبرج القاهرة، ولم يتطرق إمام الى حروبه وخطاباته وتاريخه الشفوي والمكتوب . مبارك الذي حكم مصر ثلاثين عاماً يشار عادة الى أنه بنى مزارع ومصانع وعادة ما يُذكر بناء مطار القاهرة الكبير في آخر سنوات عهده .. أردوغان الذي يختلف الكثير مع سياساته وأفكاره يشرح لك الناس في تركيا عن حجم وعدد المدن والجسور العملاقة التي انشئت في زمنه .. وفي ماليزيا شطبَ الماليزيون على مشاكل مهاتير محمد السياسية واسلوبه غير اللائق مع خصومه لأنه استطاع أن يبني بلداً من الصفر ينخره الفساد وتمكّن من جعله واحداً من أكثر اقتصاديات العالم رصانة وقدوة .الخليج الذي طالما انتقد السياسيون العرب والمثقفون والتيارات العلمانية زمنا طويلا بداوة قادتهم ووصفوا ثقافتهم بالسطحية قدموا نموذجا رفيعا في رعاية العلم والبناء والتقد وانشاء بلدان على اعلى مستويات الحداثة والتنمية البشرية والعمرانية . لذلك لايمكن أن يخطيء التاريخ جهود الشيخ الراحل زايد بن نهيان الذي صنع تاريخاً فذا ورحل منتصرا في حرب البناء وتاسيس بلد نموذج في المنطقة بين بلدان تسممت بثرواتها وحماقات قادتها الفاشلين . اشارات كهذه تتكرر في أي حديث عن رئيس راحل أو مسؤول سابق يكون يوماَ ما وليّ أمرٍ في بلد من البلدان . لايتحدث الناس عن ثقافة ولغة وخطابات المسؤول التي تذهب ادراج النسيان بل يتعالى الحديث عما انجزه السلاطين والقادة التاريخيون من ابنية مشيدة على الارض… حتى الجبابرة
الطغاة الذين حكموا شعوبا بالنار والحديد ممن بنوا الاهرامات او الاسوار وفتحوا الانهار أو المعاصرون الذين شيدوا الجامعات والمستشفيات والجسور واتاحوا للبحوث والعلوم والفنون ان تتقدم ، يتوقف منتقدوهم أمام اعجاز البناء والخدمة الجارية التي وفروها للأجيال التي تاتي بعدهم ….الارض دائما تغفرُ للمخطئين حين يعمّرون ويبنون ويؤسسون حواضر تتحول بعدهم الى منتجعات للخير والبركة فيحرثونها كما امر الله بحرثها من قبل عباده .
البناء يخلد القادة ، والبناء والإعمار له رجاله وزمنه بل إن الشعوب تفصل كثيرا بين قادة الحروب وقادة البناء والتنمية . ولعل ماحصل في بريطانيا لونستون تشرشل أصبح درسا تايخيا في هذا الصدد
( فحين جرت الانتخابات في بريطانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بشهرين فقط حيث انتهت في الشهر الخامس عام 1945، وجرت الانتخابات في بريطانيا في الشهر السابع ، خسر تشرشل خسارة فادحة حيث لم يحصل على ثلث مقاعد البرلمان، وفاز حزب العمال فوزاً ساحقاً بحصوله على حوالي ثلثي مقاعد البرلمان؛ فكان تعليق البريطانيين الذين لم ينتخبوا تشرشل في ذلك الوقت : نحن نحبه ونفخر به ونعتقد أن حررّنا وكان بطل الحرب واساس نجاحنا فيها لكنه رجل حرب حقيقي ، وليس بالضرورة ان يكون رجل الحرب قادراً على بناء البلد وتنميته .
الطابوق هنا يأتي قبل السلاح وهما معا كل في وقته طريقان الى التفوق لكن البناء اكثر خلودا ونفعا متواصلا. فالاثر الذي يتركه على الأرض هو مايبقى وكل ماعداه روايات يضيع فيها الصح من الخطا والحق من الباطل . لان ما تبينبه على الارض هو بمثابة دفاع صامت طويل الامد عن كل ما يلحق بالمسؤول من تهم وحوادث ستنفجر دفعة واحدة بعد ضعفه او رحيله ، واي حرب لايتبعها بناء فانك خاسر فيها حتى وان انتصرت. فلايوجد في العالم منتصرا في حرب يعيش في الخرائب.
العراق اليوم ارض بور خصبة تحتاج كل شيء وهذا الذي نراه اليوم من تخلف في التنمية والبناء هو حقل بكر مفتوح غير مستثمر وفرصة لصناعة التاريخ على الأرض، فمن ذا الذي يعي ذلك وكلّ شيءٍ اليوم بيده ، اليوم فقط حيث لاشيء غداً.

(Visited 24 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *