د. احمد مشتت
ثلاث وحدات عسكرية على الاقل وصلت الى المكان بعد وصولنا وافرغت حمولتها من الجنود والعتادوخلافه. أندفع مقاتلوا احد الالوية الى الجبل دون ان يكون لديهم الفرصة لاستيعاب مايحدث وحينبدأت الشمس بالظهور شاحبة من وراء الجبال بدأ عدد الطائرات المحلقة بالازدياد حيث كانت تفرغحمولتها على قمة الجبل ثم تستدير عائدة الى قواعدها. تناولنا بعض الخبز الذي جاء به كريم منالعمارة وصنع الشباب شايا واشترينا من بائع كردي جوال بعض التفاح. انتصف النهار ونحن في نفسالموقع. أصاب الجنود الملل لكنهم استسلموا له بشغف حتى ان بعضهم لم يأبه لاصوات المدفعيةالثقيلة وهي تزمجر قريبة جدا واكتفوا بأغماض أجفانهم على جانبي الطريق في اغفاءة قد تكون الاخيرة. آخر سيارة وصلت كانت عربة المطبخ واحتج كل الجائعين المنتظرين على حافة الطريق على سلمان لأنهلم يطبخ شيئا بعد وكان يصرخ بهم قائلا:
– آني بحال الطبخ هسه.
–سلمان حط جدورتك على النار تره نسوي اضراب.
اجابه احد جنود سرية الاسناد
–اضراب على الحرب لو على الطبيخ.
سخر منه سلمان
–سلمان بروح ابوك سويلنا عدس.
طالب بقية الجنود الذين تحلقوا حولوا العربة
–اخواني مطعم تاجران معزل اليوم ماباقي بس صمون الجيش.
ثم مضى سلمان عائدا الى عربته لتفريغ بعض الاكياس.
لم نكن نعرف اين ذهب آمر اللواء العقيد الركن نهاد من أهل ديالى. قابلته مرة واحدة حين التحقتباللواء في الشيب والطيب. ذهبت الى مقره بعد ان اوصاني الطبيب الذي استبدلته ان اذهب واسلمعليه واعرفه بنفسي.
لم يكن وديا. جلس خلف مكتبه واشعل سيگارة
ولم ينطق بكلمة. وجهه يشبه مصفحة عسكرية
لم تدخل نطاق الخدمة بعد، حاد التقاطيع لامعا وسط اضاءة الخندق المعتمة. دخلت انا والقيت تحيةالاستعداد:
· جندي مكلف طبيب احمد سلمان سيدي
اشار لي ان اجلس.
جاء المراسل بالشاي.
واستمر المشهد الصامت.
رن جرس الهاتف وكانت فرصة لاخباري ان المقابلة انتهت. ومنذ تلك اللحظة كان اتصالي المباشر مع آمرسرية المقر واحيانا مقدم ركن اللواء.
الكل كان يتسائل ونحن على مشارف هذا الجبل العملاق
أين ذهب الآمر؟
قال بعض الجنود هامسين:
· بحضن مرته
وقهقه البعض الآخر
–يجوز بحضن الأيرانيين
حسم الانتظار ضابط سرية المقر قائلاً.
– السيد الآمر في أجتماع مهم بالفرقة.
وأعطى اوامره للجنود بالاستعداد للتحرك بانتظار الاوامر النهائية.
كان الجبل العملاق مازال ينفث دخانه باتجاه الغيوم الرمادية، دخان كثيف متواصل تشمه وانت على بعدمئات الأميال. كانت الطائرات المحلقة تعبره بسرعة وما ان تمر حتى تزيد
من كثافته. لم نكن نشك للحظة اننا سندخل المعركة. بدا لنا ان مابقي لنا من الحياة ساعات معدودةوربما اقل من ذلك. القى خليل علي لائحة الوصايا التي يلقيها الذاهبون الى الموت. بعد ثلاث ساعاتتقرر الأمر وأٌ ِجل انتحارنا الجماعي الى حين آخر. كان القرار ان مهمة لواءنا هي حماية بحيرة دربندخانمن السقوط بيد الايرانيين حيث وصلت أخبار انهم يحضرون لأنزال في الساعات المقبلة. بدلا منالدخول في مطحنة الحرب على قمة الجبَل قدر لنا أن نحمل اجسادنا المتعبة من السفر والقلق وطولالانتظار الى أطراف البحيرة التي يطل عليها جبل شميران الشامخ. أصبحت الطائرات أقرب وأكثر وضوحامن موقعنا الجديد واصبحنا نرى شكل القذائف التي تنزل منها في لحظة ولادة تغيب فيها حواسنا عنالوعي.
فنسمع صوت ارتطامها بأرواحنا مثل موسيقى حادة ومتقطعة وجارحة تبني عنفها بتسارع شديد ثمتنطفيء وننطفيء معها