“بين عمار ونصر الله زمن متصل” – محمد الكلابي

“بين عمار ونصر الله زمن متصل” – محمد الكلابي

 

محمد الكلابي

بعد مقتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنه في معركة صفين، وفي ظل الحديث النبوي الشريف الذي يقول: “عمار تقتله الفئة الباغية”، أدرك الجميع أن جيش معاوية بن أبي سفيان هو الفئة الباغية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومع ذلك، حاول معاوية الالتفاف على هذا الواقع المؤلم من خلال نشر إشاعة جديدة: أن من قتل عمار هو من أخرجه إلى المعركة، في إشارة إلى الإمام علي عليه السلام.
لقد كان هدف هذه الرواية تبرئة جيش معاوية من المسؤولية عن مقتل عمار، وتحويل الأنظار بعيدًا عن الحقيقة الواضحة. كانت محاولة لتشويه النصوص وتحريف الحقائق بما يخدم مصالحهم في تلك اللحظة، خصوصًا وأن الحديث الشريف كان معروفًا عند المسلمين، وجميعهم كانوا ينتظرون تحقق هذا النبوءة لتحديد من هي “الفئة الباغية”.
وهكذا دخل التاريخ في دوامة من الروايات المشوهة، التي كانت تهدف إلى تخفيف وطأة الحقيقة على نفوس أتباع معاوية، الذين بدأوا يدركون حقيقة موقفهم بعد مقتل عمار. لكن رغم تلك المحاولات، بقيت الحقيقة واضحة في قلوب من شهد المعركة ومن علم بنص الحديث الصحيح.
في عالمنا اليوم، نجد التاريخ يعيد نفسه بطرق مختلفة. تمامًا كما تم استخدام الروايات المزيفة في الماضي لتبرير مواقف معينة وتخفيف اللوم عن أطراف معينة، نرى الآن محاولات مشابهة لنشر إشاعات وروايات غير دقيقة حول مواقف بعض الأطراف السياسية والعسكرية في المنطقة. تُطلق الإشاعات بغرض تشويه صورة بعض القوى أو إضعاف التحالفات القوية بينها وبين حلفائها، بينما تبقى الحقيقة غالبًا أكثر تعقيدًا مما تظهره تلك الروايات المشوهة.
تمامًا كما كان معاوية يحاول تحوير النص النبوي ليخدم مصلحته السياسية في تلك اللحظة الحرجة، نجد اليوم من يسعى إلى استغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب سياسية، من خلال نشر الإشاعات وتضليل الرأي العام. ولكن كما كان الحال في الماضي، ستظل الحقائق ثابتة، حتى وإن حاول البعض الالتفاف عليها أو تشويهها.
الخلاصة إن التاريخ مليء بمحاولات تحريف الحقائق وتزييف الروايات لخدمة أهداف معينة. سواء كان في الماضي مع معاوية ومحاولاته التهرب من وصمة “الفئة الباغية”، أو في الحاضر حيث تُستخدم الإشاعات لتشويه المواقف وتغيير الحقائق. لكن في نهاية المطاف، تبقى الحقائق واضحة لكل من يبحث عنها بموضوعية، بعيدًا عن الأهواء والمصالح الشخصية.

(Visited 118 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *