د. طورهان المفتي
الناظر الى اي دولة مستقرة نسبيًا سوف يجد هناك مجموعة اسس ونظم تعمل على استقرار تلك الدولة وتمنع الانزلاق باتجاه الفوضى وفقدان الثقة والبدء بالذوبان التدريجي لها .
هذه النظم يمكن تلخيصها بمثلث الدولة وحسب اهميتها هي :-
١- النظام الدستوري للدولة.
٢- النظام الاداري للدولة.
٣- النظام السياسي للدولة.
ان حصول خلل ما في هذه الانظمة السابقة ذكرها فانها سوف تنعكس مباشرة على المجتمع وعلى المواطنين مع ملاحظة النسبية الوقتية في ادراك الخلل من قبل المواطنين والمجتمع ، كذلك نسبية تقدير مخاطر هذا الخلل او ذاك ،لكن في كل الاحوال فان اسقاطات الخلل على مسيرة الدولة ستكون واضحة جداً.
للوقوف على هذه المواضيع المهمة فسوف نأتي عليها تباعًا.
اولا : النظام الدستوري.
يقصد بهذا النظام مدى وجود دستور للدولة في حيز التنفيذ ومقدار تنفيذ فقراته دون تفاضلية ، كذلك مدى احترام المتلقي لهذا الدستور والوقوف امام فقراته من دون تجاوز والتسليم بالقيمة الاعتبارية والمعنوية للدستور والايمان بان الدستور هو المحفظة الرئيسة لحماية كيان الدولة وحدودها واستمرار نموها ونماءها ،واعتبار الدستور المرجع الرئيسي في حال وجود مشاكل داخلية في الدولة .
بالتالي يمكن اعتبار النظام الدستوري القاعدة الاساسية لبناء الدولة والمحافظة عليها. والنظام الدستوري في نهاية المطاف هو لا يعني مجموعة اشخاص او هيكليات مادية وانما هو السقف والارضية لما موجود بينهما والمتمثلة بالنظام الاداري والسياسي.
ثانيا:النظام الاداري .
وهي مجموعة قرارات ومقررات وهيكليات وادوات ادارية بشرية مادية ومعنوية تنتج من خلالها شكل الدولة والية مسيرتها ، يكون بذلك النظام الاداري الجزء التنفيذي للدولة.
ثالثا:النظام السياسي.
بصورة مبسطة يمكن تعريف ذلك بانه الية تشكيل النظام الاداري من خلال كيان او مجموعة كيانات مؤمنة فيما بينهم باسس سياسية معينة تنتج من خلالها ادوات ادارة الدولة .
ماذا في العراق.
ان الدولة العراقية بعد ٢٠٠٥ نجحت في تأسيس النظام الدستوري من خلال التصويت على الدستور الدائم للبلاد ودخول الدستور حيز التنفيذ ، مع ملاحظتنا بوجود بعض التفاضلات في تطبيق الفقرات ( وهذه حالة مفهومة في وضع مثل وضع العراق) الا ان استمرار اعطاء القيمة الاعتبارية للدستور والاحتكام اليه في حالة الملمات من المؤشرات الممتازة لاستمرار وجود هذا النظام وديمومته .
اما النظام الاداري ، فصراحة القول هناك تعثر كبير في الادارة في البلاد فالى الان لاتوجد مؤشر واضح لتعريف الادارة ولاتوجد ديمومة للمؤسسات الادارية في البلاد و هناك تغيير شمولي مع كل انتخابات مع وجود نخر عام للمفاهيم الادارية الرئيسية من خلال فتاوى واجراءات ادارية غير ناضجة ومعتمدة على مبدء الفعل ورد الفعل مما يجعلنا نرى على طول خط الدولة بعد ٢٠٠٥ الغاءات وتطبيقات والرجوع عن القرارت ،ومقررات معوقة غير قابلة للتطبيق ، مما يمكن اطلاق تعريف واحد على النظام الاداري للدولة وهو نظام اداري للسلطة وليس نظام اداري للدولة ، مما يعني ان احد زوايا مثلث الدولة متعثرة لعدم وجود فقه ادارة الدولة . ذلك ان فقه ادارة الدولة يعتمد على تراكم الخبرات واستقرار المؤسسات ومع وجود ديمومة التغيير للمناصب وصولا الى ادنى الدرجات الادارية يمحو من غير جدال اي مفهوم سليم للادارة.
ما تم ذكره اعلاه يقودنا ان نلقي الضوء على النظام السياسي في البلاد ذلك ان حصيلة النظام السياسي تشكيل النظام الاداري ،
ان النظام السياسي في الدولة العراقية من التحير بمكان مما يجعل اي متلقي او مراقب في حيرة من امره ،فالجميع مشاركون في ادارة السلطة والجميع معترضون على كيفية ادارة السلطة ، الجميع لديهم اسهاماتهم في بلورة النظام والابتعاد عن ادارة الدولة ،فلا توجد الى الان كتلة مشاركة وكتلة معارضة لاتوجد حكومة ظل مما يقيم سلوكية الادارة ( حتى وان كانت حكومة ظل للسلطة كأضعف الايمان ) ،بالتالي فالنظام السياسي للبلاد في توتر كبير فالجميع مشارك بصيغة محاصصة طائفية كانت او قومية والجميع ينتقد ذلك علما ان دستور البلاد واضح جدا بانه اعتمد على المكونات في بناءه وهيكله.
ماذا الان ؟
العراق في الوقت الحالي و بدراسة مثلث الدولة يمكننا ان نقول ان النظام الدستوري هو الوحيد في منأى عن الاستخدامات غير الصحيحة والتعاريف الخاطئة له ، ويمكننا القول ان المواطن والمجتمع ان كان متكئا على شيء ما فانه متكئ على الدستور وراينا ذلك جليا من خلال التظاهرات المطلبية التي كانت ضد النظام الاداري والنظام السياسي ( الطرح هنا بموضوعية مما لايعني اننا نؤيد ذلك او نحن بالضد منه) .
حالياً ان الذي يجعل ايضا النظام الدستوري في خانة الاهتزاز والريبة ايضاً هو ظهور نداءات محلية و(بعض المؤسسات الدولية) التي تنادي بتاجيل الانتخابات مماسوف يجعل من المواطن المتلقي بصورة عامة ان يفقد ثقته كليا بالقائمين على الدولة اذ لايمكن الرضوخ للمطالب والاتفاق عليها ومن تم التنصل منها لعدة مرات ،فاساس تفاعل المواطن والمجتمع مع مثلث الدولة هو الثقة بالقرارات ومع اضمحلال الثقة فانها سوف تؤدي حتمياً الى اختفاء ألدولة وصولا الى الدستور، فالمواطن يتابع هذا الوعد في انتخابات مبكرة ( سواء كان المواطن مع التظاهرات او بالضد منها ) لكن رؤية صدقية القائمين على الامر على المحك ، لذا نرى ضرورة دعم اركان الدولة في تحقيق الانتخابات المبكرة وعدم انتاج اشكالات ومشاكل التي تساهم في تقويض الوعد الحكومي في اجراء الانتخابات المبكرة ، فالالتزام بالتوقيت سوف يساهم بصورة اكيدة في ارجاع الثقة باقطاب النظام سياسي للبلاد والذي من خلاله سوف يكون الثقة بالنظام الاداري.
فهذه دعوة صادقة لدعم مثلث الدولة من خلال الالتزام بالانتخابات التشريعية المبكرة في وقتها من هذا العام .