إسرائيل والتقدم  إلى الخلف

  كتب المحرر السياسي للمستقل 

وقفت إسرائيل مزهوةٌ وهي ترى الدعم الأمريكي اللامحدود لأفعالها ، وقفت وهي تعلم ان “الفيتو ” حق النقض الأمريكي في جيبها، تشهره  وقت ما تشاء  لتحمي نفسها من قرارات الإدانة الاممية القادة الاسرائيليون نظروا  إلى قوتهم العسكرية وهي تدمر المستشفيات والمباني وتهجر السكان وتقتل الأطفال ، دون ان يعترض عليها أحد ، أو يدين أعمالها أحد ، من الاوربيين او الأمريكان . تمادت في غيها، وتجبرت .

لكنها بذات الوقت ورغم كل هذا الدعم والمساندة وقفت عاجزة أمام ثلة قليلة من الفلسطينيين المحاصرين الجياع ، وقد تخلى اخوتهم وجيرانهم و العالم  عنهم ،  نعم وقفت عاجزة عن تحقيق انتصار ولو وهمي  او كاذب لتبيض وجهها امام شعبها  ، رغم التغاضي الأمريكي والأوربي عنهم .

لكن الولايات المتحدة  بدت تتذمر،  ولا تريد ان تطول الحرب  أو تتسع رقعتها.

فهي تدفع الثمن في البحر الأحمر ، ولا تريد ان يكون الثمن باهضاً اكثر مما هو عليه ، لكن إسرائيل لن تقبل من واشنطن بثمن بخس ،ولن ترضى او تكتفي بضربات محدودة،  لا تغني أو تسمن من جوع  على الحوثيين، الذين أعلنوا بأنهم لا يخشون الضربات الأمريكية، ولن ترضى باغتيالات قادة في الفصائل المساحة العراقية.

إسرائيل تريد من امريكا ان تتورط في الحرب بشكل مباشر ، وان تشارك بقواتها العسكرية بشن هجوم على ايران ، التي تعتبرها الممول والداعم الرئيس لحماس والجهاد الإسلامي .

تل ابيب رأت ان أفضل طريقة لتوريط امريكا هي ان تقوم بفعل يؤجج الصراع في المنطقة ، وتجبر امريكا للدخول بالحرب ، وهي تعلم تماماً ان اي هجوم على إسرائيل أو خطر يهدد وجودها  سيجبر  واشنطن على تحريك قواتها العسكرية ، لذا اعتمدت  خطة «التقدم الى الخلف» فقامت بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق ، وهي تحسب ان الإيرانيين سيردون ويُستفزون، وستكون ردود افعالهم غير محسوبة  ، وبهذا سيتحرك الجنوب اللبناني والفصائل العراقية وانصار الله الحوثيين ، وستتخلص من الفشل الذي لحق بها جراء عدم قدرتها على هزيمة حماس وتحرير أسراها ، كما ستتخلص من الضغط الشعبي الذي تواجهه في الداخل ، بالإضافة إلى ما تتحمله من أعباء  وجود  مئات الالاف من  النازحين الاسرائيلين الذين كانوا  يستوطنون في غلاف غزة وشمال اسرائيل.

ناهيك عن تزايد النقمة العالمية عليها ، إثر ما تقوم به من تطهير عرقي للفلسطينيين .

التقدم إلى الخلف هو  محاولة هروب للتخلص من الضغوط ، ولمدارات  العجز العسكري .

ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق ، جعلها في موقف لا تحسد عليه ، وأحرجت حلفاؤها، فامريكا تبرأت من الضربة وأعلنت عدم علمها بها ، والغربيون لاذوا بالصمت وكانت بعض  ردود الافعال متحفظة ، ألمانيا دعت إلى عدم التصعيد دون ادانة الضربة ، و الاتحاد  الأوربي ،دعا إلى ضبط النفس ، مع ادانة خجولة.

وراحت إيران تحشد رأياً  عاماً عالمياً  ضد اسرائيل من خلال دعوة روسيا لانعقاد مجلس الامن للإحاطة بالعملية،  لكن مجلس الامن اخفق في ادانة اسرائيل بفضل الفيتو الأمريكي.

من جانبها ايران تعلم ان خيارات الرد لديها  قليلة ، فهي لا تريد ان تضرب سفارة لإسرائيل في الدول المجاورة ولا تري ان تنجر للحرب ، وهي تعلم ان الحرب بينها وبين تل ابيب مفتوحة ، ولها عدة اوجه ، وفي الوقت نفسه تعلم بالنوايا الاسرائيلية لجر امريكا للمواجهة مع ايران .

وهذا ما لا تريده إيران في الوقت الراهن .

اي انها تدرس ردها بعناية ، وتعرف كيف تردع اسرائيل ، فإطالة امد الحرب في غزة سينهك الاسرائيلين،  و سيضعضع الوضع الداخلي ، ويجعل الاستقرار على صفيح ساخن .

من ناحية  اخرى ظنت اسرائيل ان العرب سيهللون للضربة وسيقفون معها ، لكن ما حصل عكس ما تمنته الدول العبرية،

فقد سارع جيران ايران من العرب  إلى ادانة الضربة ، كي لا تتوسع رقعة النزاع ، وهم في وسط اللهب ، وفقدت اسرائيل ورقة مهمة كانت تعتقد بانها مضمونة لصالحها.

البعض من المحللين الاسرائيلين إعتقد بان ايران ستنفعل وترد ، لكنهم اخطأوا في فهم العقلية الإيرانية المتأنية في اتخاذ القرارات المصيرية.

طهران لا تريد ان تمنح إسرائيل فرصة للإنقاذ نفسها من ورطة غزة ، كما انها لاتريد ان تظهر بدور المنفعل ، وتقلب موازين التعاطف العالمي  معها .

عدم الرد الايراني سيجعل اسرائيل في قلق وتأهب  دائم من شكل وحجم الرد ، لذا أوعزت تل أبيب إلى سفاراتها في العالم إلى زيادة الحيطة والحذر  وان  تزيد من الحمايات على السفارات . كما أوعزت لدبلوماسييها  في الخارج إلى  عدم الحضور إلى العمل .

إضافة إلى الخوف والقلق من هجمات الفصائل الموالية لطهران في المنطقة  .

ناهيك عن مواقف الدول اتجاهها.

والسؤال هل التقدم  إلى الخلف سينفع  اسرائيل ؟

وماهو الثمن الذي ستدفعه إسرائيل مقابل التخلص من الرد الإيراني ؟

امريكا عرضت حلولاً على ايران بوساطة عمانية لتجنب الرد.

كل الحلول تخص غزة ، فهل سيكون الثمن وقف إطلاق النار بشكل شامل ونهائي ، كما تتحدث به بعض الدوائر  السياسية والتسريبات ؟

  بما يكون ذلك …..   

(Visited 5 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *