د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
تعتبر الانفلونزا من الأمراض الشائعة والتي من الصعب تجنبها.
اما الاكتئاب فهو انفلونزا الطب النفسي لأنه أكثرها أنتشاراً ، فالعديد من الأشخاص المصابين بهذاالمرض يتأخرون في طلب المساعدة ، مما قد يعرضهم لمخاطر جسيمة.
أقرب وجهة نظري للأكتئاب و علاجه الادراكي من خلال معاناة البطل “فيل” في فيلم ” يوم جرذالأرض“.
أحاول ان أُظهر ما خُفي بين طيات الفيلم من إكتئاب وعجز و يأس من جهة وتَعْبِيدُ دروب المواجهة منجهة آخرى !.
تناول الفيلم أزمة الاكتئاب عبر مفهوم الوقوع في فخ يوم صعب يأبى الرحيل مع فقد القدرة على قدومالغد ومحاولات التغيير.
فالوقوع في جحيم الحياة لا يمنع أحد من المثابرة واخراج الأشياء الجيدة ، أما الاهم فهو تعلّم درس“ أن العالم لا يدور حولنا فقط“.
نفسياً أتفَقَ مع “داريو فو” في نصيحته “تعلّم كيف تعيش الوقت الذي أُعطّي إليك“.و هكذا فعل ” فيل“.
إن الأفكار المطروحة متعددة و حُبلى بالعمق الروحي.
فما الذي يجب عمله حتى يتم تحويل يوم عادي إلى أفضل يوم في الحياة ؟.
و أن أجبرت قوة مجهولة فرداً ما على العيش يومًا ما مرارًا وتكرارًا ، فماذا يجب عليه ان يعمل ليجعلهأفضل يوم ؟ .
وأن كان الفرد متمسك بالأمل ، فما هي التعديلات التي يحتاجها لتغيير سلوكه؟.
كطبيب نفساني أرى قدرة الفيلم في صقل الخلايا الرمادية في أدمغتنا و دعوته لها للتحليل ، بل يتعدىذلك ليخاطب الادراك و يستحضر وعينا المستيقظ و يحبط أي اضطراب انفصالي عن الحدود التيتحيطنا.
أكّد الفيلم على أهمية الديناميكية و تنقيح الافكار التي تُعتبر محور أساسي لأستعادة السعادةالمفقودة!!.
كما قدّم لنا الفيلم “إشكالية الوقت ” فالوقت يمثل القوة الصامتة ، التي ننسى وجودها و نهملها ، لكنّها مع ذلك تبقى صامدة ، تتحكم بمعظم الأحداث التي تدور حولنا ، فالوقت كان و ما زال لعبة العظماء .
في الفيلم : البطل “فيل” مقدّم تلفزيوني، ومختص في أحوال الطقس و هو رجل عابس و متذمر . ذهب مع فريقه لتغطية الاحتفال بـ “يوم جرذ الأرض” و هي مناسبة يعلن فيها عن سرعة قدوم الربيععبر خرافة خروج فأر الأرض من مخبأه.
لم يكن ” فيل ” متأقلماً مع احتفالية البلدة ، يستعجل الخروج منها ، لكن يُعلن عن عاصفة ثلجية، تمنعالفريق من العودة لذلك يضطر فيل إلى قضاء الليل في الفندق ، ليصحى مبكرا ويكتشف انه يعيشنفس اليوم مراراً وتكراراً..
ما الذي حصل ؟ هل هو في علم أم في كابوس؟ فاليوم هو البارحة وهكذا يدور !!. يصاب ” فيل” باليأس فيرمي نفسه من مرتفع مرة و يقف امام سيارة مسرعة مرة لكنه يصحو في اليوم التالي ليجدنفسه محُبوس في الزمان و المكان!!.
حالته تشبه حالة مريض الاكتئاب فهو الآخر معضلته الوقت و المكان، فالمكان نفسه ،،، بارد و مظلميفقد رومانسيته مع مرور الزمن و الزمن شتاء سرمدي لا يفطم نفسه .
أخيرا يتمكّن “فيل” من تغيير الأحداث اليوميه من خلال توقعه لما سيحدث، ليجعل من يومه المنحوسيوم مُبتهج، ليعطي درساً لمعضلة الاكتئاب العاجزة المترددة الفاقدة للأهلية!!.
إن أروع ما قدمه لنا الفيلم هو اختراعه لمبادىء العلاج الإدراكي السلوكي الذاتي!!. علاج لا يحتاجطبيب!!.
أذ قدّم لنا سينمائيا وببراعة دراما رائعة تعكس أساس العلاج الإدراكي: إذ من خلال التغيير فيالمخططات وفي الفلاتر العقلية ،يتمكّن “فيل” من الحصول على الصفات التي يحتاجها للمضي قدمًاوالبقاء على قيد الحياة و يستطيع التغلب على مشكلاته والتعلم مع الناس و منهم .
وقد همس ” داريو فو ” في أذُنه “تعلم كيف تعيش الوقت الذي أعطي إليك.و كذلك تعلًم ما قاله ” آرونبيك“
“تعتمد معظم معانات الفرد على المعنى والأهمية اللذين يوليهما لما يحدث له ، وليس لما يحدث له“.
وضع الفيلم مقولة د. وين داير تحت المجهر وهي “عندما تغّير نظرتك للأشياء من حولك تجد كل شيءحولك وقد تغّير” .
لهذا اقول بلطف للجميع :
راقبوا أفكاركم و كلماتكك لأنها ستصبح أفعالكم و عاداتكم وفي النهاية تتحدد نوعية شخصيتكم وماهية مصيركم
وختاماً أقول …. ابتسموا لأن العالم لن يتغّير بحزنكم.