المواطنة والدين (٢) / محمد عبد الجبار. الشبوط

المواطنة والدين (٢) / محمد عبد الجبار. الشبوط

محمد عبد الجبار الشبوط

تقام المواطنة  على مفهوم الانتماء إلى دولة معينة وتحمل الالتزامات والحقوق التي تنبثق من هذاالانتماء. وتشمل الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية وغيرها. من ناحية أخرى، يُعد الدين والعقائدالشخصية جزءًا مهمًا من هوية الفرد وقد تشكل جزءًا أساسيًا من الثقافة والتقاليد داخل الدولة.

لا يوجد تعارض بالضرورة بين هذين المفهومين. في دولة تُقدّر المواطنة القائمة على أساسالديمقراطية والمساواة، يتم احترام الحق في حرية العقيدة والدين كجزء من حقوق الإنسان. يشمل ذلكالحق في ممارسة الشعائر الدينية، وحماية الأماكن الدينية، والتعبير عن المعتقدات الدينية.

في الواقع، يمكن لمفهوم المواطنة الشامل أن يعزز التنوع والتعددية داخل الدولة. وذلك من خلالالاعتراف بأن جميع المواطنين، بغض النظر عن اعتقاداتهم الدينية، لديهم نفس الحقوق ويجب أنيكونوا موضوعين لنفس الالتزامات القانونية.

عند وضع القوانين والسياسات، يجب على الحكومات مراعاة التنوع الديني والثقافي لمواطنيها والعملعلى حماية الحقوق الأساسية للجميع. يجب أيضًا أن تكون هناك آليات لضمان عدم وجود تمييز علىأساس الدين أو المعتقد، ولتوفير الفرص المتساوية لجميع المواطنين.

التوازن بين المواطنة واحترام الدين يتطلب حوارًا مستمرًا، فهمًا متبادلاً وسياسات تكون شاملة، سواءعلى مستوى القوانين الوطنية أو الممارسات الاجتماعية. وبذلك، يمكن للدولة أن تعزز التماسكالاجتماعي وقبول التنوع كإثراء للمجتمع الوطني.

وفي سياق البحث الأكاديمي والعلمي حول المواطنة والدين في الدولة الحديثة، من المهم الاعتماد علىالمبادئ والنظريات القانونية والسياسية التي تشكل فهمنا للمواطنة في إطار دولة متعددة الثقافاتوالأديان.

لكن القران الكريم تعرض للموقف من اتباع الديانات الاخرى في عدد من الايات مثل قوله تعالى:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖإِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ.” (المائدة 72)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْعِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ“. (البقرة 62)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.” (الحج ١٧)

هذه الايات تشرع الموقف الديني من اصحاب الديانات المذكورة، ولا تحدد موقفهم القانوني في الدولة. ولهذا فان الاستشهاد بها في سياق بحث اوضاع غير المسلمين في دولة حديثة قد لا يعزز الفهمالمطلوب ويمكن أن يكون غير مناسب في هذا البحث.

الآيات الدينية عموماً تحمل قيمة روحانية ودينية كبيرة للمؤمنين بها، ولكن الاستشهاد بها في البحوثالأكاديمية قد يتطلب سياقاً معيناً يتعلق بدراسة التأثير الديني أو التاريخي، وليس بالضرورة في نقاشقانوني أو مدني حول المواطنة.

إذا كان البحث يتناول العلاقة بين الدين والدولة، فمن المفضل التركيز على كيفية التوفيق بين حقوقالمواطنة وحرية الأديان والمعتقدات في سياق الدول الحديثة، وأي استشهادات يجب أن تكون في إطاردعم هذا المنظور.

الدولة الحديثة لا تتدخل بدين المواطن ولا ترتب اثارا قانونية عليه. وهذا القول ينسجم من حيث المبدأمع قوله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ“. وهذا هو اساس قولنا بعدم التعارض بين مفهوم المواطنة والانتماءالى الدين في الدولة الحديثة.

يتبع

(Visited 18 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *